أخبار كورونا

إستراتيجية المغرب في التعامل مع كوفيد – 19

المغرب يتجاوز كورونا.. تجارب ومكتسبات وخطوة للأمام

المغرب | ✍ سامي رفعت الحمداوي

تعتبر جائحة كورونا من أخطر التهديدات التي عرفتها البشرية خلال القرن الواحد والعشرين، نظـراً لفداحـة خسـائرها البشـرية والإجتماعيـة والإقتصـادية، حيـث أنها إجتاحت مختلف الربوع والبقاع وتفاوتـت درجـة خطورتها مـن دولـة إلى أخـرى، ما اضطر دول العالم قاطبة للعمل على مواجهة هذا التهديد الوبائي مـن خـلال نهج إسـتراتيجيات آنية، لمحاولة الحد من آثار وتبعات قد تفوق قدرات الدول التي شملتها الجائحة.

ولم يسـلم المغـرب هـو الآخـر مـن هـذا الوباء الفتـاك، فمـع ظهـور أول حالة مؤكدة ســارعت الدولة إلى تبـني مجموعــة مــن الإجـراءات العملية والإستباقية للحد من الإنتشار السريع للوباء ولتطويق مناطق انتشاره خصوصا في المدن الكبرى التي تعرف كثافة سكانية كبيرة مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، فاس، أكادير وغيرها.

وأمام هذه الجائحة الإستثنائية، شكلا ومضمونا، فقد تجندت المملكة المغربية بكل مكوناتها و بمختلف مصالحها وإداراتها الترابية، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي، وكانت من بين الدول التي سارعت إلى إتخاذ مجموعة من الإجراءات بعد تسجيل أول حالة في شهر مارس 2020م، ومن هنا بدأت في الظهور معالم السياسة المغربية الرصينة والمدروسة بعناية في مواجهة جائحة كورونا ومعالجة إنعكاساتها الوخيمة، إذا أن الدولة سارعت، قبل تفشي الجائحة بشكل كبير في مختلف أقاليم وعمالات التراب المغربي على مراقبة الحدود في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية عملت على تعليق بعض الرحلات الجوية في إتجاه المناطق الموبوءة، وفي مرحلة ثالثة تبنت إغلاقاً كلياً وشاملاً للحدود الجوية والبرية والبحرية للملكة المغربية.

وفيما يلي نستعرض أهم معالم الإستراتيجية المتعددة الأبعاد ونسرد أهم الإجراءات التي إعتمدها المغرب حسب التسلسل الزمني منذ 02 مارس 2020م  إلى غاية إعتماد تدابير تخفيف الحجر الصحي:

– توقيف حركة التنقل الخارجي بشكل كامل إبتداءً من 6 مارس 2021م.

– تبني حجر صحي كامل لكافة السكان في كل المدن في 15مارس 2020م.

– إغلاق المساجد والمقاهي والمطاعم وكافة المرافق الترفيهية.

– توقيف الدراسة وإغلاق الفضاءات العمومية في 16 مارس 2020م.

– إحداث صندوق كورونا لمعالجة تداعيات الوباء في 17مارس2020م، لدعم ذوي الدخل المحدود ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة ولتمويل التدابير وتجهيز مستشفيات جديدة؛

– الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في 19مارس 2020م.

– إستصدار قانون يقضي بإلزامية إرتداء الكمامات الواقية في 04 أبريل 2020م.

– إلزامية إستصدار تصاريح رسمية لخروج المواطنين من مقرات سكناهم والتنقل عبر المدن.

– الدعم المالي المباشر للأسر المعوزة إبتداءً من شهر أبريل 2020م.

– التنسيق البيني والكامل بين مختلف الفاعلين والمتدخلين “وزارات الصحة، الداخلية، والمالية، ومختلف القطاعات الأخرى كالأمن الوطني والدرك والوقاية المدنية، الجماعات الترابية، المجتمع المدني والقطاع الخاص”.

– تطبيق إجراءات التباعد الإجتماعي والنظافة الشخصية وتعقيم المرافق العمومية.

– مراقبة الوحدات الصناعية وإلزامها بالتطبيق الصارم لإجراءات السلامة.

– إنشاء وحدات طبية ميدانية ومتنقلة كالمستشفى العسكري في بنسليمان ومستشفى آخر به 700 سرير في معرض الدار البيضاء.

– الرفع من عدد إختبارات الكشف عن الوباء خاصة لدى ولوج المؤسسات العامة والوحدات الصناعية ولدى  مهنييي النقل العمومي والتجار.

– المراقبة الحازمة للحواضر الكبرى كالدار البيضاء وطنجة ومراكش لكونها تتميز بارتفاع الكثافة السكانية ولأهمية الأنشطة الاقتصادية بها.

– العمل على تبني تدابير تخفيف الحجر ال صحي، من خلال تقسيم المغرب إلى مناطق التخفيف 1و2، حسب الحالة الوبائية لكل عمالة أو إقليم.

– تبني مجانية التلقيح لفائدة كل الشرائح العمرية.

– فرض جواز التلقيح لولوج المقرات والمؤسسات العمومية.

وبمقارنة الوضعية الوبائية للمغرب مع دول أوروبية وعربية وإفريقية، يلاحظ بالشكل الملموس نجاح المغرب في تجنب سيناريوهات خطيرة من خلال تجنب وفاة حوالي 6000 شخص بسبب جائحة كورونا وإصابات عشرات الآلاف بالفيروس الفتاك، كما صرحت الجهات المسؤولة بذلك في المغرب. فالدول الأوروبية، على سبيل المثال لا الحصر، وعلى الرغم من إمكانياتها الكبيرة، وتجهيزاتها الصحية المتطورة والقدرة الإستيعابية الكبيرة لمستشفياتها فيما يخص الإستقبال والإنعاش، وقفت عاجزة أمام تفشي الفيروس الذي حصد الآلاف الأرواح بشكل يومي.

ورغم صعوبة المرحلة ومفاجئة الجائحة لكل دول العالم، إلا أن الإنخراط الحقيقي والجاد لكل المغاربة في المعركة ضد الوباء بمختلف شرائحهم وأطيافهم، وبروح عالية من الوطنية والتضحية، أبانت عن معدنهم الأصيل وعن روحهم التضامنية العالية والتي تميز المغاربة إبان المحن والأزمات على مر التاريخ.

فصندوق كورونا الذي أعلن عنه الملك محمد السادس، مثلاً، كان الغرض منه جمع حوالي مليار يورو، وقد جمع في غضون أيام قليلة، ثلاثة مليارات يورو، ساهمت فيها المؤسسات العامة والشركات الكبرى وكبار موظفي الخدمة المدنية والشخصيات العامة والمواطنين، كما أطلق العديد من المبادرات الخاصة كشراء معدات للمستشفيات.

كما مكّن الإنتاج الوطني المغربي للأقنعة والملابس الواقية والأجهزة من إكتفاء البلد ذاتياً، مما جنبه الدخول في التنافس العالمي الشديد للحصول على هذه المنتجات الغالية والنادرة في مرحلة كورونا الحرجة والإستثنائية.

ويواصل المغرب تميزه في المعركة، بتنظيمه حملة تلقيح وطنية ضد كوفيد-19 مميزة وتتوفر على كل مقومات النجاح، وهو ما إعترفت به منظمة الصحة العالمية ونوهت به.

في هذا السياق، فقد شهد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في 6 يوليوز 2021م، حفل توقيع ثلاث إتفاقيات مع الصين لإنتاج خمسة ملايين جرعة من لقاح كوفيد-19 شهرياً بإستثمارات حجمها 500 مليون دولار “لتعزيز الإكتفاء الذاتي والسيادة الصحية للمملكة”، وبهذا تكون المملكة المغربية قد تحملت كامل مسؤوليتها في هذه الملحمة الوطنية لإنقاذ أرواح المواطنين وكذا إنقاذ الإقتصاد الوطني، وفق مقاربة شاملة عنوانها المثابرة والصمود، والإلتقائية في العمل، والنجاعة في الأداء.

ومن هنا يمكن القول إن السياسة التي إتبعها المغرب كانت ناجحة وفعالة وتمكن بفضلها من تفادي الأسوأ، ومن تبوئ مكانة متميزة بين عدد من بلدان العالم رغم تفوق بعضها إقتصادياَ ومن حيث قوة بنياتها الصحية، والمغرب اليوم، يستعد لما بعد وباء كورونا، واعياً بقوة بالتغيرات المهمة التي تحدث في العالم والتي ستؤثر حتماً في العلاقات الدولية والإقليمية والإقتصادية على وجه الخصوص.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى