تقارير

إقالة السفيرة نادية محمد خير تثير الجدل: تصفية سياسية أم إخفاق دبلوماسي؟

تصفية سياسية بغطاء دبلوماسي

برق السودان | تحقيق إستقصائي

أثار قرار وزارة الخارجية السودانية سحب سفيرتها لدى الجزائر، نادية محمد خير عثمان، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية، وسط اتهامات متضاربة بين الانتماء السياسي، وضعف الأداء، والضغوط الجزائرية.

القرار جاء في استدعاء عاجل أنهى مهمتها بشكل مفاجئ، وجرى تكليف دبلوماسي آخر مؤقتًا بتسيير شؤون السفارة.

القرار يأتي في سياق حملة ممنهجة لاستبعاد رموز الفترة الانتقالية

خلفيات سياسية: قوى التغيير في مرمى الاستهداف

بحسب مصادر مطلعة، جاء قرار الاستدعاء على خلفية اتهامات بانتماء السفيرة إلى قوى الحرية والتغيير، وهو التيار المدني المعارض الذي كان شريكًا في السلطة قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023. ويُعتقد أن مواقف السفيرة المنتقدة للمؤسسة العسكرية قد أثارت حساسية لدى النظام الحالي في بورتسودان، الذي يسعى إلى تقليص نفوذ التيارات المدنية داخل مؤسسات الدولة، بما فيها السلك الدبلوماسي.

السفيرة نادية محمد خير، كانت قد أُعيد تعيينها بعد سقوط نظام البشير، ضمن الكفاءات المهنية التي استُبعدت سابقًا بموجب “قانون الصالح العام”، ما جعلها رمزًا للتمكين المدني بعد الثورة، الأمر الذي لا يروق للسلطات الجديدة.

إخفاق دبلوماسي أم حملة ممنهجة؟

في المقابل، تداولت تقارير دبلوماسية اتهامات أخرى تتعلق بـ”ضعف أداء” السفيرة، مشيرة إلى:

• غيابها المتكرر عن مقر السفارة في الجزائر، حيث تقضي وقتًا طويلًا خارج البلاد مع زوجها المقيم في دولة أخرى.

• تغيبها غير المبرر عن مؤتمر صحي إقليمي استضافته الجزائر بمشاركة السودان، ما أثار استياء رسميًا جزائريًا.

• اعتذار السفارة السودانية عن استقبال مساعدات طبية جزائرية بحجة أن مطار بورتسودان غير مؤهل، وهو ما اعتبرته الجزائر تجاهلًا لعرض تضامني في وقت حساس.

هذه المؤشرات، وإن كانت قابلة للتقييم الإداري، إلا أن توقيت القرار وطبيعته الفجائية يضع علامات استفهام حول الدوافع الحقيقية، خاصة في ظل مناخ الاستقطاب السياسي الحاد داخل النظام السوداني.

أزمة دبلوماسية صامتة بين الجزائر والخرطوم

الخطوة السودانية قوبلت بارتياب جزائري واضح، حيث عبّر مسؤولون عن استيائهم من أداء السفارة السودانية، واعتبروا التصرفات الأخيرة دليلًا على فتور غير مبرر في العلاقات الثنائية، في وقت تحتاج فيه السودان لكل دعم خارجي لمواجهة أزماتها المتراكمة.

الجزائر التي كانت قد عرضت مساعدات إنسانية وصحية، اصطدمت بتبريرات بيروقراطية وغياب التنسيق من طرف السفارة، ما قد ينعكس سلبًا على مستوى التعاون المستقبلي بين البلدين.

تصفية سياسية بغطاء دبلوماسي

من الواضح أن إقالة السفيرة نادية محمد خير، تتجاوز البُعد الإداري. فالقرار يأتي في سياق حملة ممنهجة لاستبعاد رموز الفترة الانتقالية، خاصة أولئك الذين احتفظوا بعلاقات جيدة مع المعارضة المدنية أو تبنوا مواقف مستقلة من الحرب الجارية.

السفيرة التي عُرفت برصانتها المهنية وتاريخها في العمل الخارجي، تُعد من الضحايا الجدد لإعادة هيكلة الدولة وفقًا لخط «سياسي-عسكري» يهمّش الكفاءات المستقلة، ويعزز تمكين الولاء السياسي.

الدبلوماسية السودانية في مفترق طرق

بين الاتهامات السياسية والملاحظات الإدارية، تظل الحقيقة مغيبة في ظل صمت رسمي يفتقر للشفافية. لكن الأكيد أن ما جرى للسفيرة نادية محمد خير، ليس مجرد قرار مهني، بل إشارة إلى عمق الأزمة التي تعيشها مؤسسات الدولة السودانية، بما فيها الجهاز الدبلوماسي.

ما تحتاجه السودان اليوم ليس تطهيرًا سياسيًا للمؤسسات، بل استعادة المهنية، وتوسيع القاعدة التمثيلية للدبلوماسية، بما يعكس التنوع السياسي والوطني للبلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى