الأخبار

الحركات المسلحة في دارفور: معركة البقاء في الفاشر لحماية مكاسب السلطة في بورتسودان

الحركات المسلحة تتشبث بمقاعدها داخل الحكومة

الفاشر | برق السودان 

في خضم الحرب المشتعلة في السودان، تتخذ معركة الفاشر أبعادًا غير مسبوقة، إذ لم تعد ساحة قتال تقليدية بقدر ما تحولت إلى ميدان صراع حاسم بالنسبة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني.

فقد بات واضحًا أن هذه الحركات تستميت في الدفاع عن وجودها العسكري والسياسي في إقليم دارفور، وبخاصة في مدينة الفاشر، ليس فقط لأسباب تتعلق بالهوية أو النفوذ المحلي، بل للحفاظ على حصصها ومناصبها داخل الحكومة المؤقتة في بورتسودان، والتي أصبحت الملاذ السياسي الوحيد للنظام المركزي في ظل انهيار مؤسسات الدولة في العاصمة الخرطوم.

الخشية الكبرى لدى هذه الحركات هي فقدان السيطرة على الفاشر ما سيترتب عليه فقدان كامل نفوذها العسكري في دارفور، وبالتالي تقويض مبررات وجودها في السلطة ببورتسودان

معركة الفاشر: درع الحركات نحو السلطة

تكتسب الفاشر أهمية استراتيجية في نظر الحركات المسلحة لعدة أسباب. فهي ليست فقط آخر معاقل الحكومة في دارفور، بل تمثل أيضًا مركزًا رمزيًا وثقافيًا يرتبط بتاريخ الحركات، وخاصة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان (قيادة مناوي). وبالنظر إلى تصاعد هجمات قوات الدعم السريع واقترابها من إحكام السيطرة على المدينة، باتت هذه الحركات تخوض معركتها الأخيرة من أجل البقاء في الإقليم، مستعينة بقواتها، وببعض وحدات الجيش السوداني، وبما تبقى من نفوذ محلي.

الخشية الكبرى لدى هذه الحركات هي فقدان السيطرة على الفاشر، ما سيترتب عليه فقدان كامل نفوذها العسكري في دارفور، وبالتالي تقويض مبررات وجودها في السلطة ببورتسودان. فالمناصب الوزارية والسيادية التي تحصلت عليها بعد اتفاق جوبا للسلام باتت مهددة، خاصة وأن الحكومة المركزية بدأت تعيد النظر في تحالفاتها بناءً على موازين القوى على الأرض.

مناصب بورتسودان على المحك: الثمن السياسي للخسارة العسكرية

منذ انتقال الحكومة المركزية إلى بورتسودان، تحوّلت من مجرد مركز طارئ إلى عاصمة فعلية تدير منها السلطة السياسية في البلاد. ومع هذا التحول، أصبحت الحركات المسلحة تتشبث بمقاعدها داخل الحكومة، مدركة أن تآكل نفوذها العسكري في دارفور قد يؤدي إلى استبعادها من المشهد السياسي بشكل كامل.

المراقبون يشيرون إلى أن بعض القيادات العسكرية في هذه الحركات باتت تتعامل مع معركة الفاشر على أنها “معركة مناصب”، وأن كل تراجع ميداني يضعف من حجتهم السياسية داخل دوائر السلطة. وهناك أحاديث عن صراعات داخلية بين قادة الحركات حول جدوى الاستمرار في الحرب، خاصة مع تعاظم الخسائر البشرية، في مقابل حرص آخرين على التمسك بالبقاء في الحكومة بأي ثمن، حتى لو تطلّب الأمر تحالفات غير تقليدية أو تنازلات ميدانية للجيش.

مع استمرار القتال واتساع رقعة الدمار يبقى الثمن الأكبر يدفعه المدنيون الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى رهائن لصراعات النخب ومصالح الفصائل

ارتباك في صفوف الحركات وتضاؤل التعاطف الشعبي

في المقابل، تواجه هذه الحركات حالة من التململ المتزايد في أوساط أنصارها وقواعدها الاجتماعية، التي بدأت ترى أن من كان يُفترض أن يكون حاملاً لقضية “المهمشين”، أصبح شريكًا في حرب حكومية تستهدف مدنيين وتدمر المدن. التناقض الصارخ بين خطاب الحركات السابق الداعي للعدالة والكرامة، وبين تحالفها مع قوات تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة، أضعف من صورتها الشعبية.

ويُخشى أن يُترجم هذا التآكل في الحاضنة الشعبية إلى تمردات داخلية أو انشقاقات ميدانية، خصوصًا مع الانهيارات المتسارعة في البنية اللوجستية والمالية لقوات الحركات في دارفور، بعد قطع خطوط الإمداد، وتصاعد الهجمات المضادة من قبل الدعم السريع.

الخيار الصعب بين الفاشر وبورتسودان

مع تزايد الضغط العسكري، وتضاؤل الخيارات أمامها، تقف الحركات المسلحة في دارفور أمام معضلة وجودية: إما مواصلة القتال للحفاظ على موطئ قدم في الفاشر، أو خسارة آخر أوراقها في معادلة السلطة ببورتسودان. إنها معركة لا تتعلق فقط بتراب دارفور، بل بمستقبل الحركات ذاتها، ودورها في المشهد السياسي السوداني الذي يعاد تشكيله وسط ركام الحرب.

ومع استمرار القتال واتساع رقعة الدمار، يبقى الثمن الأكبر يدفعه المدنيون، الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى رهائن لصراعات النخب ومصالح الفصائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى