الإقتصاد

السودان يتصدر مستوردي الغذاء من مصر: شراكة اقتصادية في قلب الاضطرابات الإقليمية

غذاء اليوم… سياسة الغد؟

برق السودان | فريق التحرير 

في تقرير صادر عن الهيئة القومية لسلامة الغذاء، خلال الفترة من 3 إلى 9 مايو الجاري، برز السودان في صدارة قائمة الدول المستوردة للمواد الغذائية من مصر، متفوقًا على دول كبرى مثل السعودية، إيطاليا والعراق، ضمن 159 دولة. هذا التطور يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين القاهرة والخرطوم، ويطرح تساؤلات عن أبعاد الشراكة وتأثيرها الإقليمي.

لم تعد العلاقة بين مصر والسودان محصورة في الملفات الأمنية أو الحدودية بل توسعت لتشمل أدوات “النفوذ الناعم” وعلى رأسها الغذاء

العلاقات التجارية تزدهر رغم الأزمات

رغم ما يمر به السودان من نزاعات داخلية وتدهور اقتصادي، نجحت مصر في ترسيخ موقعها كمورد غذائي موثوق للجارة الجنوبية. ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها:

القرب الجغرافي وانخفاض تكاليف النقل.
تنوع السلع الغذائية المصرية وجودتها.
الأسعار التنافسية مقارنة بالأسواق العالمية.

تُظهر البيانات الرسمية أن السودان استورد طيفًا واسعًا من المنتجات المصرية، تتضمن الحبوب، الزيوت، الأغذية الجاهزة، ومنتجات الألبان. هذا يشير إلى اعتماد فعلي على السوق المصري لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية في ظل انهيار سلاسل الإمداد المحلية.

اقتصاد يُمهد للنفوذ السياسي

لم تعد العلاقة بين مصر والسودان محصورة في الملفات الأمنية أو الحدودية، بل توسعت لتشمل أدوات “النفوذ الناعم”، وعلى رأسها الغذاء. ففي وقت تتنافس فيه قوى كبرى كتركيا، إيران، وروسيا، على موطئ قدم داخل السودان، تسعى مصر إلى تثبيت نفوذها من خلال الاقتصاد لا العسكر.

يمثل تصدير الغذاء قناة تواصل غير مباشرة مع مختلف الفاعلين في الداخل السوداني، كما يُظهر رغبة مصرية في دعم الاستقرار الاجتماعي دون تدخل مباشر في النزاع.

آفاق التعاون: من التصدير إلى الاستثمار

تشير مؤشرات التبادل التجاري إلى وجود فرصة استراتيجية لتحويل العلاقة من مجرد تصدير إلى شراكة إنتاجية. إذ يمكن لمصر الاستفادة من الأراضي الزراعية الشاسعة في السودان، مقابل نقل التكنولوجيا والخبرات الزراعية، ما يدعم الأمن الغذائي للطرفين على المدى الطويل.

تشجيع هذا النوع من التعاون قد يُسرّع خطوات التكامل الاقتصادي، ويمنح البلدين مساحة للتحرك المشترك إقليميًا في ملفات مثل مياه النيل، التنمية، والمنافسة على الأسواق الأفريقية.

غذاء اليوم… سياسة الغد؟

تصدر السودان لقائمة مستوردي الغذاء من مصر ليس مجرد إنجاز تجاري، بل يمثل تحولًا نوعيًا في شكل العلاقة الثنائية. فالاقتصاد اليوم بات أحد أدوات السياسة الخارجية، ومصر تدرك جيدًا أن تأمين الحاجات الأساسية لجيرانها، خاصة في أوقات الأزمات، يعزز من مكانتها الإقليمية ويحفظ استقرار محيطها الحيوي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى