السودان يلاحق حديقة حيوان أمريكية لاسترداد “إنجاليفو” أو التعويض عنه
معركة قانونية لحماية تراث وطني مهدد بالانقراض
بورتسودان | برق السودان
في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة في مجال حماية الحياة البرية، تستعد وزارة العدل السودانية لرفع دعوى جنائية وتعويضية ضد حديقة سان دييغو سفاري بالولايات المتحدة، للمطالبة بحقوق السودان في وحيد القرن الأبيض الشمالي النادر (إنجاليفو)، الذي يُعتبر من آخر رموز هذا النوع المهدد بالانقراض، وضمان إعادته إلى السودان أو الحصول على تعويض مناسب عن فقدانه.
هذا التحرك جاء بعد تحقيقات موسعة فتحتها رئاسة قوات حماية الحياة البرية لمعرفة مصير “إنجاليفو”، الذي كان يعيش في حديقة الحيوان بالخرطوم حتى عام 1990، قبل أن يتم نقله على سبيل الإعارة إلى الولايات المتحدة بهدف المشاركة في برنامج تكاثر لإنقاذ النوع من الانقراض.
خلفية القضية: رحلة “إنجاليفو” المفقودة
يعود تاريخ القصة إلى عام 1990، حين وافقت حكومة السودان على إعارة وحيد القرن الأبيض الشمالي “إنجاليفو” إلى حديقة سان دييغو سفاري، ضمن برنامج تكاثر مع أنثى من نفس النوع تُدعى “نولا”. لاحقًا، تم نقله إلى حديقة دفور كرالوف في إطار مبادرة يقودها الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN).
لكن مع مرور السنين، انقطعت أي أخبار رسمية عن مصيره، رغم الأهمية البالغة لهذا الحيوان الذي ينتمي لأندر الأنواع على وجه الأرض، خصوصًا بعد وفاة آخر ذكر معروف من هذا النوع، “سودان”، في مارس 2018، ليبقى فقط عدد محدود من الإناث في العالم.
ورغم مراسلات متكررة بين قوات حماية الحياة البرية ووزارتي الداخلية والخارجية السودانيتين، لم تقدم الحديقة الأمريكية سوى رد مقتضب في مايو 2024، أشارت فيه إلى وجود آخر اثنين من هذا النوع في محمية “أول بيجيتا” بكينيا، دون توضيح ما إذا كان “إنجاليفو” أحدهما أو كيف تم نقله خارج السودان دون إذن رسمي.
التصعيد القانوني: نحو معركة دولية لاسترداد الحقوق
بتاريخ 21 مايو 2025، وافقت وزارة العدل السودانية على المضي في دعوى جنائية وتعويضية ضد الحديقة الأمريكية، وقررت تشكيل لجنة متخصصة تضم ممثلين من الجهات المعنية، لتقييم الملابسات القانونية والبيئية للقضية. وستُرفع التوصيات النهائية إلى وزير العدل، على أن يتولى المحامي العام لجمهورية السودان الترافع أمام المحكمة المختصة.
وأكد اللواء شرطة عصام الدين جابر حقار، المدير العام لقوات حماية الحياة البرية، أن هذه القضية تمثل اختبارًا لإرادة السودان في حماية تراثه الطبيعي، قائلاً:
“إنجاليفو ليس مجرد حيوان، بل هو جزء من تراثنا الوطني، وسنعمل بكل جهد لضمان عودته أو الحصول على التعويض العادل”.
ويرى مراقبون أن هذه القضية قد تُشكل سابقة قانونية مهمة، تفتح المجال أمام تحركات مشابهة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، بل وربما تُعيد النقاش حول استرداد الممتلكات البيئية والثقافية المنهوبة، بما في ذلك الآثار السودانية التي تم تهريبها وبيعها عبر شبكات دولية.
البُعد البيئي: إنقاذ ما تبقى من وحيد القرن الأبيض الشمالي
على الصعيد العلمي، تتواصل الجهود العالمية لإنقاذ هذا النوع من الانقراض عبر تقنيات متطورة، مثل التلقيح الصناعي ونقل الأجنة، حيث تم تجميد عدد من الأجنة القابلة للحياة باستخدام بويضات من إناث وحيد القرن الأبيض الشمالي وحيوانات منوية جُمعت مسبقًا من الذكور قبل نفوقهم.
كما يجري العمل على إعادة برمجة خلايا الجلد إلى خلايا جذعية لإنتاج خلايا تناسلية جديدة، في محاولة لإعادة إحياء النوع وإكثار أعداده في الأسر، قبل إعادة توطينه في بيئته الطبيعية.
ومع تصاعد الاهتمام الدولي بالقضية، باتت أعين المهتمين بحماية البيئة موجهة نحو السودان، لمعرفة ما إذا كان سيتمكن من استعادة “إنجاليفو” أو على الأقل ضمان أن يكون له دور في أي برامج إكثار مستقبلية لهذا الكنز البيئي النادر.