تقارير

الكوليرا والدفتيريا تلتهمان السودان: حرب الأوبئة تخلف انهيار الخدمات والعدالة

تقارير | برق السودان

تتفاقم الأزمة الإنسانية في السودان على نحو كارثي، حيث لم يعد القتال وحده هو الخطر الأكبر، بل تحولت الأمراض القابلة للعلاج إلى أسلحة فتاكة. أعلنت منظمات دولية أمس، الجمعة 10 أكتوبر 2025، عن تصاعد تحذيرات تفشي الكوليرا في الدمازين وتفشي الدفتيريا شرقي العاصمة، مع تسجيل وفيات وإصابات جديدة. هذه الموجة الوبائية الجديدة هي الدليل الأكثر وضوحاً على فشل الاستجابة الإنسانية وتوقف شبه كامل للخدمات الأساسية في مناطق النزاع، محولةً الموت من قذيفة طائشة إلى جرعة مياه ملوثة أو هواء ملوث في مخيمات النازحين المكتظة.

انهيار المنظومة الصحية: كارثة متعمّدة ونقص حاد

الفشل في احتواء الكوليرا والدفتيريا ليس ناتجاً عن نقص الوعي، بل هو انعكاس لانهيار البنية التحتية الصحية والمدنية التي كانت تشكل صمام الأمان الأخير للسودانيين. تشير التقارير إلى أن ما يزيد عن 70\% من المرافق الصحية الحيوية في الخرطوم ودارفور باتت خارج الخدمة كلياً، إما بسبب التدمير المباشر أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، مما جعلها أهدافاً مشروعة للقتال.

بالإضافة إلى تدمير المرافق، تعاني الكوادر الطبية من ضغط هائل ونزوح مستمر. الآلاف من الأطباء والممرضين غادروا البلاد أو نزحوا داخلياً، تاركين المستشفيات القليلة العاملة تحت ضغط يفوق طاقتها. الأسوأ من ذلك هو النقص الحاد والمميت في الإمدادات؛ فلا تتوفر أمصال الكوليرا ولا المضادات الحيوية اللازمة لعلاج الدفتيريا ولا حتى محاليل الإماهة الأساسية. هذا الشلل يمتد ليشمل القطاع الخدمي الأوسع، حيث أدى تدمير محطات ضخ ومعالجة المياه إلى تلوث مصادر الشرب، وهو السبب المباشر لتفشي الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا، بينما تسببت ظروف الاكتظاظ في مخيمات النزوح في انتشار أمراض الجهاز التنفسي كالدفتيريا.

تعبر الصورة بعمق عن الجانب الإنساني المأساوي لأزمة الكوليرا في السودان، إذ يظهر الطفل كرمز لمعاناة المدنيين، خاصة الأطفال، الذين يتحملون العبء الأكبر من تفشي الأوبئة وانهيار الخدمات الصحية. الألوان الباهتة والظلال الخافتة في الصورة تعزز الإحساس بالعجز والإنهاك في بيئة تعاني من الفقر والنزوح.
طفل سوداني مريض بالكوليرا يبدو عليه الإرهاق والجفاف داخل مركز علاج مؤقت، في مشهد يعكس مأساة تفشي الوباء بين الأطفال في السودان.

 تحديات لوجستية وسياسية: العرقلة تقتل النازحين

تتضاعف الأزمة بسبب التحديات اللوجستية والقيود الأمنية التي تفرضها الأطراف المتحاربة. فبينما تحذر المنظمات الدولية من تفشي الأوبئة، تتعرض قوافل المساعدات الإنسانية للتفتيش والنهب أو المنع المباشر من الوصول إلى المناطق الأكثر حاجة مثل الدمازين والفاشر. هذا المنع ليس مجرد تأخير، بل هو حكم بالإعدام على المدنيين المحاصرين الذين يعانون من سوء تغذية حاد أصلاً.

بالتوازي مع الفشل في توفير الخدمات، تتواصل الدعوات الدولية والداخلية للمحاسبة والعدالة، خاصة بعد إدانة المحكمة الجنائية الدولية للقائد السابق علي كوشيب، بجرائم حرب. رغم أهمية هذه الأحكام لترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، إلا أن استمرار الجدل حول حماية المطلوبين دولياً وتجاهل القوى المتصارعة لقرارات العدالة يؤكد أن الأولوية ما زالت للصراع العسكري على حساب حياة المواطن وحقوقه. إن الاستجابة الفعالة للأزمة لا تتطلب فقط تمويلاً وإمدادات، بل تتطلب بالدرجة الأولى إرادة سياسية لوقف القتال وتأمين ممرات الإغاثة، والالتزام بمسار عدالة يضمن عدم تكرار الفظائع، سواء كانت بقذيفة أو بمرض.

الصورة توثّق الحالة الإنسانية الصعبة الناتجة عن انتشار الكوليرا في المناطق المتأثرة بالحرب والنزوح، حيث تمثل مثالًا على الجهود المحدودة التي تبذلها المنظمات الصحية لمواجهة الأزمة. يبرز التصميم البسيط للمكان حالة الطوارئ وافتقار النظام الصحي إلى التجهيزات الأساسية.
امرأة مريضة بالكوليرا تتلقى العلاج داخل مركز عزل ميداني في شرق السودان، يجلس بجوارها أشخاص من طواقم الإغاثة بملابس واقية، بينما تبدو ملامح الإرهاق والقلق واضحة على الوجوه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى