الأخبارتقارير

تفكك التحالفات العسكرية في السودان: مواجهة محتدمة بين الجيش والقوة المشتركة في دارفور

الجيش يفرض هيمنته ويقصي الحركات

برق السودان | تقرير خاص

تشهد العلاقة بين الجيش السوداني والحركات المسلحة المنضوية تحت مظلة “القوة المشتركة” تصعيداً خطيراً يُنذر بتحول إقليم دارفور إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات السياسية والعسكرية.

ففي ظل الانهيار الأمني المتسارع، بات واضحاً أن التنسيق الهش بين الجانبين لم يعد قابلاً للاستمرار، خاصة بعد سلسلة من الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذها الجيش، والتي اعتُبرت بمثابة إعلان قطيعة مع شركائه السابقين.

الفاشر تُعتبر بوابة استراتيجية للسيطرة على الإقليم كما أنها تمنح من يهيمن عليها ورقة ضغط قوية في مفاوضات تقاسم السلطة في بورتسودان

قرارات عسكرية حاسمة: الجيش يفرض هيمنته ويقصي الحركات

في خطوة حاسمة لإعادة رسم الخارطة العسكرية، بادر الجيش السوداني إلى وقف كافة عمليات التجنيد التي كانت تقوم بها الحركات المسلحة، وطرد عناصرها من ولايات شمال وشرق السودان. كما تم إيقاف إمدادات التسليح، مما تسبب في تقليص قدرة هذه الحركات على المناورة الميدانية.

تُقرأ هذه الخطوة من زاوية استراتيجية على أنها محاولة من الجيش لاستعادة هيمنته الكاملة على المشهد العسكري بعد أشهر من التصدع الداخلي، لا سيما في ظل اتهامات متزايدة للحركات بتقويض جهود الجيش، والانخراط في تنسيقات ميدانية خارج مظلة القيادة العامة.

ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تعكس حالة انعدام الثقة بين الطرفين، وافتقاد الجيش للضمانات بشأن ولاء هذه الحركات التي سبق أن أبرمت اتفاقات سلام لم تُنفذ بالكامل.

حرب المدن: الفاشر نموذجاً لتدهور الوضع الإنساني والعسكري

في مدينة الفاشر، تبرز الأزمة بشكل مأساوي، حيث تحوّلت المعارك بين قوات الدعم السريع من جهة، والجيش والحركات المسلحة من جهة أخرى، إلى مواجهة مزدوجة تُظهر هشاشة الموقف الإنساني في ظل التكتيكات العسكرية المستخدمة.

فقد وُجهت للحركات المسلحة اتهامات باستخدام المدنيين كدروع بشرية، ومنعهم من مغادرة مناطق الاشتباك، ورفضها فتح ممرات آمنة للإجلاء أو إدخال المساعدات. مصادر محلية تحدثت عن انتشار كبير للنازحين في مناطق شديدة الخطورة، دون توفير الحماية أو الاحتياجات الأساسية، ما يجعل من الوضع الإنساني في الفاشر واحداً من أكثر الملفات تعقيداً في الحرب الحالية.

الجيش-الحركات
الجيش يفرض هيمنته ويقصي الحركات

وفي تطور لافت، كشفت مصادر عسكرية عن استخدام معسكرات النازحين، وعلى رأسها “أبو شوك” و”زمزم”، كقواعد خلفية لأنشطة عسكرية للحركات المسلحة، بما في ذلك تخزين السلاح وتجنيد عناصر جديدة. وجرى العثور على بطاقات عسكرية وأسلحة ثقيلة داخل هذه المعسكرات، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويعرض حياة آلاف المدنيين للخطر المباشر.

صراع النفوذ: الفاشر ورقة سياسية في معادلة السلطة

تمسّك الحركات المسلحة بالبقاء في الفاشر لا يرتبط فقط بالجغرافيا أو التكتيك العسكري، بل يعكس بوضوح صراعاً على النفوذ في دارفور وعلى مكاسب سياسية مستقبلية.

فالفاشر تُعتبر بوابة استراتيجية للسيطرة على الإقليم، كما أنها تمنح من يهيمن عليها ورقة ضغط قوية في مفاوضات تقاسم السلطة في بورتسودان، حيث تسعى الأطراف المختلفة لضمان تمثيل فاعل في أي تسوية قادمة.

وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن بقاء هذه الحركات في المدينة رغم الضغوط العسكرية والشعبية يعكس رغبتها في الحفاظ على حضورها السياسي، خاصة بعد تراجع دورها في المعادلة العسكرية في الأشهر الأخيرة.

الرسائل المتضاربة: حماية المدنيين أم حماية المواقع؟

السلوك الميداني للحركات المسلحة يكشف مفارقة صارخة بين شعارات حماية المدنيين التي ترفعها هذه الجماعات، وبين ممارساتها على الأرض.

فمنع المدنيين من المغادرة، واستغلال المعسكرات لأغراض عسكرية، وعرقلة جهود الإغاثة، كلها خطوات تعكس افتقار هذه الحركات لالتزام حقيقي بالمعايير الإنسانية.

وفي ظل هذا الواقع، تتعاظم الدعوات لمحاسبة الجهات التي تسيّس العمل الإنساني، وتوظف معاناة النازحين كورقة ضغط ميدانية وسياسية.

المجتمع الدولي، بدوره، مطالب بالتحرك السريع ليس فقط لحماية المدنيين، وإنما أيضاً لضمان استقلالية العمل الإنساني ووقف الانتهاكات التي ترتكب بحق سكان دارفور تحت ذرائع الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى