منوعات

جيل بلا مدارس.. التعليم في زمن الحرب بين الإهمال والانهيار

في ظل الحرب وانعدام الأمان كيف تحوّل التعليم من حق إلى حلم بعيد المنال؟

بورتسودان | برق السودان 

من الفصول التي كانت تضج بأصوات التلاميذ، إلى مبانٍ مدمرة أو مغلقة منذ شهور، يعيش التعليم في السودان واحدة من أسوأ أزماته منذ الاستقلال. فبين الحرب التي لا تفرّق بين مدرسة ومستشفى، والإهمال المزمن من السلطات، تتبدد أحلام جيل كامل في الحصول على الحد الأدنى من المعرفة، لتطفو على السطح مأساة صامتة أقلّ ما توصف به أنها “كارثة وطنية”.

أكثر من 8 ملايين طفل سوداني هم خارج مقاعد الدراسة إما بسبب النزوح أو تدمير المدارس أو فقدان المعلمين

اليونيسف 

أرقام مفزعة: 8 ملايين طفل خارج المدرسة

بحسب تقارير حديثة صادرة عن منظمة اليونيسف، فإن أكثر من 8 ملايين طفل سوداني هم خارج مقاعد الدراسة، إما بسبب النزوح، أو تدمير المدارس، أو فقدان المعلمين. وتُعد ولايات دارفور وكردفان والنيل الأزرق من أكثر المناطق تضررًا، حيث تسببت الهجمات المتكررة في إغلاق آلاف المدارس.

التسرب من التعليم بلغ مستويات غير مسبوقة، ليس فقط بسبب القتال، بل أيضًا نتيجة الفقر المتزايد، وعدم قدرة الأسر على تحمّل تكاليف الكتب والمواصلات، وحتى الطعام اليومي للأطفال.

انهيار البنية التحتية وتخلي الدولة

أكثر من 60% من مدارس السودان، وفق تقارير محلية، باتت خارج الخدمة، بين مدمرة بالكامل أو محتلة من قوى مسلحة أو نازحين. أما المعلمون، فقد ترك كثير منهم المهنة إما بسبب توقف الرواتب، أو الهروب من مناطق القتال، أو البحث عن فرص أخرى للبقاء.

اللافت أن السلطات الحاكمة، سواء في الخرطوم قبل الحرب أو في بورتسودان الآن، لم تقدم أي خطط إسعافية حقيقية، واكتفت ببيانات إعلامية أو مبادرات مجتزأة من منظمات دولية، معظمها توقف بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.

المبادرات المجتمعية.. بصيص أمل في الظلام

في مواجهة هذا الواقع، ظهرت مبادرات مجتمعية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ففي بعض مناطق القضارف وبورتسودان، ينظم شباب متطوعون فصولًا تعليمية مؤقتة للأطفال، باستخدام وسائل بسيطة مثل الألواح الخشبية والمقررات القديمة.

كذلك، لجأ بعض المعلمين إلى التعليم عبر تطبيقات الهواتف الذكية، خاصة في المناطق التي لا تزال تحت تغطية الإنترنت، لتقديم حصص مصوّرة أو تفاعلية عبر الواتساب والفيسبوك، رغم ضعف الإمكانات.

جيل السودان الجديد يُترك لمصيره بين أنقاض المدارس وغبار الحرب. أطفال لا يعرفون الحروف، ولا يحفظون النشيد الوطني، ولا يحلمون بالجامعة.

التعليم لم يعد مجرد خدمة منهارة، بل تحوّل إلى ميدان معركة أخرى، طرفها الأول أطفال أبرياء، والطرف الآخر دولة فاشلة، وحرب لا ترحم.

في غياب خطة وطنية شاملة لإعادة بناء التعليم، يخشى كثيرون أن يتحول هذا الجيل إلى وقود دائم لصراعات الغد، بدلًا من أن يكون بنّاء لمستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى