منوعات

رمال تبتلع القرى.. التغير المناخي يهدد الحياة في شمال السودان

شبح الصحراء يتقدم والدولة غائبة

دنقلا | برق السودان

في أقصى شمال السودان، لم يعد الزحف الصحراوي مجرد تحذير بيئي، بل واقع يعيشه السكان كل يوم. قرى بأكملها في الولاية الشمالية، خاصة في مناطق مثل دنقلا، القولد، وسليم، بدأت تختفي فعليًا تحت أطنان من الرمال المتحركة، لتتحول البيوت إلى أطلال، والحقول إلى أراضٍ قاحلة.

التغير المناخي ساهم في تسريع هذه الكارثة، حيث تزايدت فترات الجفاف وتراجعت معدلات الأمطار إلى مستويات غير مسبوقة. ومع غياب برامج إعادة التشجير، وتدهور السدود الترابية، باتت القرى مكشوفة أمام العواصف الرملية القادمة من الجنوب الليبي والصحراء الكبرى.

بين الهجرة الجماعية والموت البطيء

يجد سكان هذه القرى أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما ترك أراضيهم ومنازلهم والنزوح نحو المدن، أو البقاء في مواجهة الطبيعة القاسية، في ظروف شبه مستحيلة للعيش.

تقول “فاطمة عبدالسلام”، إحدى المقيمات في منطقة القولد:

استيقظنا ذات صباح فوجدنا الرمال قد غطّت فناء المنزل بالكامل وحتى الطريق المؤدي إلى السوق لم يعد موجودًا… نحن محاصرون

فاطمة عبدالسلام – إحدى المقيمات في منطقة القولد

تشير التقديرات المحلية إلى أن أكثر من 8 قرى مهددة بالاندثار الكامل خلال السنوات الخمس القادمة إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ويعاني السكان من نقص في الخدمات الأساسية، كالمياه النقية، والرعاية الصحية، والتعليم، ما يعمق معاناتهم ويزيد من وتيرة النزوح.

البيئة في خطر.. والحلول ممكنة

الخبراء البيئيون يحذرون من أن الوضع لا يتعلق بشمال السودان وحده، بل هو مؤشر على أزمة بيئية أوسع تهدد حزام المناطق الزراعية من دارفور إلى النيل الأزرق. ويؤكدون أن هناك حلولًا ممكنة إذا ما تحركت الدولة والمجتمع الدولي بسرعة.

تشمل هذه الحلول:
• مشاريع تشجير جماعية على أطراف القرى لصد الرياح الرملية.
• تثبيت الكثبان الرملية باستخدام شبكات وألياف طبيعية.
• تطوير أنظمة إنذار مبكر للتنبؤ بالعواصف الرملية.
• تمكين المجتمعات المحلية من زراعة محاصيل مقاومة للجفاف.

لكن هذه المبادرات تحتاج إلى دعم سياسي وتمويل طويل الأمد. وحتى اللحظة، تغيب الحكومة المركزية عن المشهد، وسط انشغالها بالحرب الأهلية والانهيار الإداري.

رمال الشمال لا تعرف الانتظار. ومع كل عاصفة رملية جديدة، تُدفن أحلام وأجيال تحت أطنان من الغبار، بينما تصرخ الأرض طلبًا للنجدة. فهل يصل صوتها قبل أن تبتلعها الصحراء بالكامل؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى