
بورتسودان | برق السودان
رغم القصف والنزوح والانقطاع المتكرر للاتصالات، يرفض الشباب السوداني الاستسلام. من بين ركام الحرب، تبرز مبادرة “سودان تك” كأمل رقمي جديد، يقوده مهندسون شباب قرروا أن يخوضوا معركتهم الخاصة: معركة المعرفة في وجه الجهل، والتكنولوجيا في وجه الرصاص.
هذه المبادرة، التي انطلقت في منتصف عام 2024، تسعى إلى نشر التعليم الرقمي والبرمجة والذكاء الاصطناعي بين الشباب في السودان، من خلال ورش عمل عبر الإنترنت ودورات تفاعلية مفتوحة، رغم التحديات الأمنية والتقنية الهائلة.
كنا نعمل من استراحة صغيرة، ونستخدم الإنترنت عبر أجهزة بث متنقلة. لم يكن الأمر سهلاً، لكن الطلاب أصروا على التعلم.
محمد عبدالله – خربج هندسة حاسوب
قصص نجاح من قلب الأزمات
في مدينة بورتسودان التي باتت مركزًا للنازحين والمؤسسات الحكومية، نجح الشاب محمد عبد الله، وهو خريج هندسة حاسوب، في تأسيس أول فصل تدريبي افتراضي بالشراكة مع “سودان تك”، حيث قام بتدريب أكثر من 80 طالبًا على أساسيات البرمجة بلغة Python. يقول محمد: “كنا نعمل من استراحة صغيرة، ونستخدم الإنترنت عبر أجهزة بث متنقلة. لم يكن الأمر سهلاً، لكن الطلاب أصروا على التعلم.”
وفي القضارف، استطاعت الطالبة سماح عبد الرحيم، 21 عامًا، أن تطور نموذجًا أوليًا لتطبيق ذكاء اصطناعي يترجم إشارات لغة الإشارة السودانية إلى نصوص مكتوبة، بفضل دورة مكثفة نظمتها “سودان تك”. تقول سماح: “كانت الإنترنت تتقطع، والكهرباء تنطفئ، لكن الإرادة كانت أقوى. اليوم أنا أطمح لتقديم هذا التطبيق لمجتمع الصم في السودان.”
كانت الإنترنت تتقطع والكهرباء تنطفئ لكن الإرادة كانت أقوى. اليوم أنا أطمح لتقديم هذا التطبيق لمجتمع الصم في السودان
الطالبة سماح عبدالرحيم
بين الحرب والبرمجة.. جبهة جديدة للتغيير
المؤسسون للمبادرة يؤكدون أن الهدف الأساسي هو تمكين الشباب السوداني من أدوات المستقبل، وجعلهم جزءًا من الاقتصاد الرقمي العالمي. ويشير المهندس أنس الطيب، أحد المؤسسين، إلى أن “المبادرة ليست مجرد تعليم نظري، بل بوابة حقيقية للابتكار والعمل الحر. اليوم هناك أكثر من 300 متدرب من ولايات السودان المختلفة يعملون على مشاريع تقنية قابلة للتطبيق.”
التحديات التي تواجه “سودان تك” كثيرة، من ضعف البنية التحتية التقنية إلى انقطاع الإنترنت المتكرر، لكن الفريق يعول على الشراكات مع مبادرات تقنية في الخارج، ويعمل على بناء شبكة من المتطوعين السودانيين في المهجر لدعم المحتوى، وتمويل الأنشطة، وتمكين استدامة المنصة.
في بلد تمزقه الحرب وتضيق فيه فرص التعليم، تمثل “سودان تك” ومضة أمل في زمن العتمة، حيث يكتب الشباب مستقبلهم بأكواد البرمجة لا بأصوات الرصاص، ويحوّلون الحصار إلى حافز، والمعاناة إلى مشروع وطني رقمي يستحق التقدير والدعم.