الأخبارتقارير

وثيقة سرية تكشف اتفاقاً إثيوبياً-سودانياً حول سد النهضة: القاهرة خارج المشهد

الاتفاقية التي غابت عنها القاهرة قد تعيد رسم معادلة التفاوض في حوض النيل الأزرق

بورتسودان | برق السودان 

منذ أكثر من عقد، ظل سد النهضة الإثيوبي الكبير حجر الزاوية في واحدة من أعقد الأزمات المائية والسياسية في إفريقيا والشرق الأوسط. ورغم جولات تفاوضية طويلة برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والبنك الدولي، ظل الملف عالقاً بين تشدد إثيوبي في فرض الأمر الواقع وقلق مصري وسوداني من تهديد الأمن المائي.

لكن وثيقة سرية اطّلعت عليها برق السودان تكشف عن اتفاقية فنية موقّعة في الخرطوم بتاريخ 26 أكتوبر 2022، بين السودان وإثيوبيا، تُعتبر أول إطار مكتوب ومفصل للتعبئة والتشغيل المشترك للسد. هذه الاتفاقية، التي غابت عنها القاهرة، قد تعيد رسم معادلة التفاوض في حوض النيل الأزرق.

الوثيقة تُعتبر أول إطار مكتوب ومفصل للتعبئة والتشغيل المشترك للسد

بنود الاتفاقية: التزامات إثيوبية وضمانات سودانية

الاتفاقية الموقّعة بين وزير الري الإثيوبي هابتامو إيتيفا ونظيره السوداني المهندس ضو البيت عبد الرحمن، وبمشاركة كبار المسؤولين الفنيين، تضمنت مجموعة من البنود الجوهرية:

• الملء التدريجي: التزام إثيوبيا بملء السد خلال موسم الأمطار (يوليو–أكتوبر) حتى منسوب 625 متراً فوق سطح البحر، مع تخفيض حجم التخزين في حالة الجفاف.

• التصريف الدائم: إلزام إثيوبيا بإطلاق ما لا يقل عن 300 متر مكعب/ثانية للسودان، للحفاظ على تدفق النيل الأزرق والتوازن البيئي.

• مستويات التشغيل: تحديد منسوب تشغيل دائم يتراوح بين 625 و640 متراً فوق سطح البحر.

هذه الأرقام، التي لم تُطرح علناً في المفاوضات السابقة، تعكس محاولة عملية لتبديد المخاوف السودانية، خصوصاً على سد الروصيرص القريب من الحدود.

هذه الاتفاقية التي غابت عنها القاهرة قد تعيد رسم معادلة التفاوض في حوض النيل الأزرق

تبادل البيانات: كسر حاجز السرية

واحدة من أهم نقاط الاتفاقية هي إلزام الطرفين بتبادل البيانات بشكل يومي ومتزامن، بما يشمل:

• مناسيب المياه والتدفقات الداخلة والخارجة.

• بيانات الأرصاد الجوية.

• مؤشرات جودة المياه.

كما نصت الاتفاقية على تعيين نقاط اتصال رسمية في وزارتي الري بالبلدين، تتولى نقل البيانات بشكل مستمر. هذه الخطوة تعكس إدراكاً متبادلاً بأن غياب الشفافية هو أخطر ما يهدد سلامة السدود.

اللجنة المشتركة: مؤسسة دائمة للتنسيق

الاتفاقية لم تقتصر على الأرقام، بل أسست لآلية سياسية-فنية جديدة:

• إنشاء لجنة تنسيق مشتركة خاصة بسد النهضة.

• قراراتها تُتخذ بالتوافق، وتملك صلاحية حل الخلافات الفنية.

• اختصاصها يشمل متابعة السلامة، تحديث خطط الطوارئ، وتنسيق إجراءات الاستجابة السريعة.

بهذا تصبح اللجنة أول مؤسسة دائمة تعالج ملف سد النهضة بشكل ثنائي، بعيداً عن الإطار الثلاثي التقليدي (إثيوبيا–مصر–السودان).

بند السلامة والطوارئ: طمأنة سودانية

الاتفاقية شددت على أن:

• كل طرف مسؤول عن سلامة سدوده، مع إلزامية تبادل خطط الطوارئ بشكل دوري.

• في حال حدوث توقف مفاجئ وغير مخطط للتوليد الكهربائي، تلتزم إثيوبيا بإخطار السودان فوراً.

• أي تغير مفاجئ في كمية أو نوعية المياه يعتبر حالة طارئة تستدعي اجتماعاً عاجلاً.

هذه البنود صيغت بوضوح لمعالجة مخاوف الخرطوم من مخاطر انهيار أو خلل مفاجئ في السد.

القاهرة خارج الحسابات: الخاسر الأكبر

غياب مصر عن هذه الاتفاقية الثنائية يحمل دلالات استراتيجية:

1. عزلة تفاوضية: القاهرة، التي ظلت تراهن على الموقف السوداني الموحد، تجد نفسها الآن خارج دائرة التفاهمات المباشرة.

2. مكسب إثيوبي: أديس أبابا كسرت قاعدة “التفاوض الثلاثي” عبر استمالة الخرطوم، مما يمنحها شرعية إضافية لملء وتشغيل السد.

 3. مصلحة سودانية مباشرة: الخرطوم وضعت مصالحها المائية وسلامة سدودها فوق أي اعتبارات إقليمية.

دلالات استراتيجية: واقع جديد في حوض النيل

• الاتفاقية تؤسس لمرحلة جديدة، عنوانها “التشغيل المشترك غير المعلن” بين السودان وإثيوبيا.

• السودان حصل على ضمانات تشغيلية لم يكن يملكها من قبل.

• إثيوبيا كسبت شريكاً مائياً أساسياً على حساب مصر.

• مصر مطالبة اليوم بالبحث عن مسارات بديلة للدفاع عن أمنها المائي، سواء عبر التحرك الدبلوماسي أو الضغوط الدولية.

تكشف هذه الوثيقة أن معركة سد النهضة لم تعد مجرد جدل حول الحصص المائية، بل دخلت مرحلة إعادة تشكيل التحالفات. فبينما ظلت القاهرة والخرطوم تتحركان تاريخياً كجبهة واحدة، ها هو السودان يخطو باتجاه تفاهم مباشر مع أديس أبابا.

يبقى السؤال: هل سيصمد هذا التفاهم في ظل الاضطرابات الداخلية السودانية والحرب الجارية؟ أم أن تقلبات السياسة ستعيد الملف إلى مربع الصراع الثلاثي المحتدم؟

هل ترغب أن أجهّز نسخة ثانية من المقالة بصياغة أكثر اختصارية وخفيفة للنشر العاجل على منصات مثل تويتر/فيسبوك، بجانب هذه النسخة التحليلية المطوّلة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى