إرث ثقافي وجمالي يزينه الذهب والفضة..الشبرية… منزل سوداني على ظهور الإبل
الخرطوم | برق السودان
افتتحت جامعة موسكو الحكومية للعلوم مركزا لدراسة الحضارة السودانية بمعهد العلوم الإنسانية.
وحضر الافتتاح السفير فوق العادة والمفوض لجمهورية السودان في روسيا محمد سراج، والسكرتير الأول لإدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الروسية فلاديمر تيتورينكو.
يعد الهودج أو الجحفة إرث ثقافي وجمالي ضارب في أعماق التاريخ البدوي السوداني، وهو بيت أفراح متنقل ينتشر بين القبائل التي تقطن إقليم كردفان غرب السودان، بخاصة بين ملاك ورعاة الإبل، ويستخدم عادة في تنقلاتهم وترحالهم شمالاً وجنوباً، بحثاً عن الكلأ والماء واتقاء تقلبات الطقس.
يقول الباحث في تراث منطقة كردفان محمد عثمان الحلاج إن “الأبالة أصحاب ورعاة الإبل يشيدون الشبرية أو الهودج أو الجحفة، فثلاثتها أسماء لمسمى واحد، ولأنه كما يقولون قديماً، إن كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى، فالشبرية عند الأبالة مظهر من مظاهر العظمة ودليل التزام إرث ثقافي عامر”.
مكونات متنوعة.
تصنع الشبرية على هيئة قبة من الأخشاب الرفيعة، وتكون كسوتها من الشعر المنسوج “الشِمال” (مفردها شَمْلة) أو من القماش ذي الألوان الزاهية، وهي تشبه المنزل المتنقل المشيد على ظهر الجمل، إلى حد بعيد، إذ تستغلها النساء والأطفال في تنقلهم وهي محمولة على ظهر البعير.
ولعل أكثر أشكالها تميزاً تلك التي تحمل عليها العروس، فإلى جانب زينتها المألوفة يضاف إليها جرس له رنين متصل يميز موكب العروس وبعيرها الذي تمتطيه، عطفاً عن مقتنياتها وعتادها الذي يوضع بجانب الشبرية، وهو عبارة عن مصنوعات جلدية مثل القراف (مفردها قرفة) والجربان (مفردها جراب)، وفيها توضع متعلقات العروس من عطر وأدوات زينة وتجميل وأزياء، وحاجاتها الأخرى.
تفاصيل الرحلة
وعن تفاصيل رحلة التنقل يقول الحلاج “يسير البعير الذي تحمل على ظهره الشبرية في حركة وئيدة مما يجعل الجحفة تتمرجح بهدوء كأنما تدلل العروس التي بداخلها، وربما كانت إحدى علامات الاحترام والتقديس للمرأة عند الرجل، فهم يخصصون الهوادج والشبريات للنساء، مما يجعلهن في أمان من الحر والبرد والمطر، فضلاً عن وقايتهن من أعين الحاسدين بحسب اعتقادهم”.
وعن أهميتها فيرى الحلاج أن “الشبرية” ليست فقط وسيلة، فعلى رغم تطور الحياة وتسارع حركتها إلا أن البدوي يظل متمسكاً بها ما دامت حياته تتصل بالإبل، فهي مظهر من مظاهر فخره واعتزازه بتراثه وعلامة على احترامه للأنثى وتقديسها.
مهمات عديدة
في رحلة “الدمر” الذهاب إلى الأقاصي الجنوبية بحثاً عن الماء والكلأ، و”النشوق” والعودة إلى الشمال هرباً من غزارة الأمطار الاستوائية، والعودة إلى مراتع السهول الرملية شمالاً، وهي تسميات خاصة بـ “الأبالة”، يتعلم الشباب الصبر والمهلة لخطف قلوب الحسناوات، حيث يحرصن على التغني بالشاب الكريم والوسيم الذي يمتطي “البشاري”.
وعن مهمات الإبل في رحلة النشوق، يقول الباحث في التراث عبدالله إسماعيل “إن أهمية تعظيم المسار في التنقل يتمثل في اختيار الإبل بمواصفات خاصة، بيد أن الذي يقود مقدمة الرحلة يكون هادئاً ويتحمل الصعاب، فيما يتميز الأخير بثقل الحركة وقوة التحمل، وهي مواصفات تحددها العلاقة الوطيدة بين البدو والإبل.
وحول أهمية النساء عند الأبالة يشير إسماعيل إلى أن “فكرة الهودج هي تعويض للمرأة، لأنها تمثل قوى عاملة في الريف ورمزية جميلة ينبغي الافتخار بها، لجهة أنها مربية الأطفال، أما المتزوجة حديثاً فإن دلالات أن تكون داخل الشبرية المزينة بأجمل الألوان تتمثل في العز والتقدير والاحترام، كما أن الإبل تمشي بها على مهل في وجود رجل يقود جمل الهودج”.
أغنيات شعبية.
دخل الهودج أو الشبرية ثنايا الأغنيات الشعبية من أوسع الأبواب كدلالة لأهميتها في حياة البدو غرب السودان، ومن أشهر هذه الأغنيات “الراكب الشبرية بالله حن عليا”، و”بفارق المدينة وبتابع السعية”، في حين يتم تبجيل العروس التي يحملها الهودج بمقطع يقول “الغالي دهب كوبي جمالا جن”. كما تُوصف رحلة النشوق بمقطع يقول “رقاب القوز يا طنك كان بقيت قش يرعنك”. وتغني فتيات قبيلة الكبابيش للشاب الذي يزين الجمل “البشاري” بمقطع، يقول “سرجك على مكرب من سودري وغرب”، و”يا الناشق أتدرب نجم الخريف قرب”.
المصدر: جريدة اندبندنت البريطانية
اقرأ ايضاً :