
برق السودان | تحقيق إستقصائي
تشهد منطقة القرن الإفريقي تصاعدًا لافتًا في التوترات العسكرية والدبلوماسية مع انكشاف مسارات تهريب السلاح إلى قوات الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والتي اتخذت من مدينة بورتسودان مركزًا بديلًا لإدارة المعارك بعد انهيار سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم. وفي قلب هذه الشبكة المتصاعدة، برزت إريتريا كحلقة مركزية، لتتحول تدريجيًا إلى حليف مباشر في النزاع، عبر تقديم الدعم اللوجستي والعسكري، وتوفير الموانئ والمطارات لتسهيل تدفق الأسلحة والطائرات المسيّرة.
الاتفاق على استخدام الموانئ والمطارات الإريترية كممر آمن لشراء ونقل الأسلحة إلى قوات بورتسودان
وتكشف تقارير موثوقة عن حجم هذا الدعم الذي لم يعد سريًا، بل أصبح يأخذ طابعًا رسميًا بعد انخراط قادة عسكريين سودانيين، من بينهم رئيس الاستخبارات الأسبق صلاح قوش، في ترتيبات مباشرة مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. ويعكس هذا التعاون انتقال عمليات التهريب من مسارات غير نظامية إلى ترتيبات عسكرية مفتوحة، ما يهدد بتوسيع رقعة الحرب داخل السودان، ويضع دول الجوار في مواجهة خطر تفجر إقليمي.
الدور المحوري لصلاح قوش وتطبيع مسارات السلاح
في 16 مايو 2025، توجه صلاح قوش، أحد أبرز الوجوه الأمنية السودانية السابقة، إلى العاصمة الإريترية أسمرا، حيث التقى بالرئيس أسياس أفورقي، وتم الاتفاق على استخدام الموانئ والمطارات الإريترية كممر آمن لشراء ونقل الأسلحة إلى قوات بورتسودان. ووفق مصادر استخباراتية، تم تفعيل هذه التفاهمات عبر شحنات متعددة وصلت إلى السودان، تضمنت أنظمة دفاع جوي، براميل متفجرة، وقطع غيار لطائرات وسلاح مدرع.
قوش، المعروف بلقب “الرجل القوي في السودان”، أعاد بناء نفوذه من بوابة الحرب، مستغلًا علاقاته القديمة وشبكات التهريب التي كان يديرها إبّان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير. وتحظى تحركاته الأخيرة بمباركة واضحة من قيادة الجيش السوداني، لا سيما في ظل الحاجة الماسة للتزود بالسلاح في ظل العزلة الدولية المتزايدة.
شحنات متعددة وصلت إلى السودان تضمنت أنظمة دفاع جوي براميل متفجرة وقطع غيار لطائرات وسلاح مدرع
الدعم التركي والإيراني: المسيّرات في قلب المعركة
التقارير تشير إلى أن إريتريا لم تكن مجرد قناة تهريب تقليدية، بل باتت ساحة لتنسيق عمليات تسليح مع دول مثل تركيا وإيران، حيث يجري إيصال طائرات “بيرقدار TB2” التركية وطائرات “مهاجر-6” الإيرانية إلى بورتسودان عبر مطار أسمرا. وتُعرف هذه المسيّرات بقدرتها العالية على الاستهداف الدقيق، وقد لعبت دورًا محوريًا في تغيير موازين المعارك الميدانية لصالح قوات البرهان، خاصة بعد أن تكبد الجيش خسائر في هجمات الدعم السريع بالطائرات المسيّرة.
هذه المسيّرات، إلى جانب معدات مراقبة وتقنيات رادار متطورة، يتم تخزينها الآن في منشآت عسكرية أنشأها الجيش خصيصًا داخل بورتسودان، حيث شرع في بناء شبكة من الأنفاق والمخابئ الأرضية لتحصين الأسلحة الاستراتيجية بعيدًا عن أعين الأقمار الصناعية وهجمات الخصوم.
إريتريا والمواجهة الإقليمية: صدام محتمل مع إثيوبيا
لم يكن الدعم الإريتري محصورًا في الأسلحة والموانئ. فقد أكدت تقارير ميدانية نشر قوات بحرية إريترية على الساحل السوداني، إلى جانب استضافة طائرات حربية سودانية في مطاراتها. كما أشارت تقارير أخرى إلى إشراف إريتري مباشر على تدريب آلاف المقاتلين من الحركات الدارفورية، ممن انضموا لاحقًا إلى ما يُعرف بـ”القوة المشتركة” التي تقاتل مع الجيش في كردفان ودارفور.
هذا التمدد العسكري، والذي رافقته زيارات متكررة من البرهان إلى أسمرا، آخرها في أبريل الماضي، أثار قلق إثيوبيا التي تعتبر ميناء عصب الإريتري منفذًا استراتيجيًا، وتصر على “حقها المشروع” في الوصول إلى البحر الأحمر. وكانت العلاقات بين البلدين قد تدهورت في يوليو 2024، بعد نشر إريتريا قطعًا بحرية على الساحل السوداني، في خطوة وصفتها أديس أبابا بـ”الاستفزاز المباشر”.
ترسانة تحت الأرض: مخازن البرهان السرية في بورتسودان
في ظل الاستهداف المتكرر لمخازن الجيش من قبل طائرات الدعم السريع، لجأ جيش البرهان إلى بناء تحصينات تحت الأرض لحماية ترسانته الجديدة. وتشير المعلومات إلى إنشاء أنفاق كبيرة داخل قواعد عسكرية على أطراف بورتسودان، تشمل تجهيزات متكاملة لتخزين دبابات، صواريخ، وطائرات مسيّرة حصل عليها الجيش من طهران وأنقرة.
ويتزامن هذا مع تقارير عن تخزين الجيش السوداني لكميات ضخمة من الأسلحة، تشمل أنظمة دفاع جوي متطورة، صواريخ موجهة، وذخائر مدفعية، تحسبًا لتوسّع المعارك في الشرق، أو هجوم مفاجئ من قوات الدعم السريع.
تكشف هذه التطورات عن دخول الحرب السودانية مرحلة جديدة من التعقيد، تتداخل فيها خطوط الدعم الخارجي بالتحالفات الإقليمية، وتستبدل فيها مسارات التهريب التقليدية بممرات رسمية تديرها دول وأجهزة مخابرات. وبات الدور الإريتري في قلب هذه المعادلة، ليس فقط كممر للسلاح، بل كشريك عسكري حقيقي، ما ينذر بإشعال أوسع للنزاع، وجرّ المنطقة نحو مزيد من التصعيد الجيوسياسي.