
برق السودان | تقرير خاص
في تطور لافت يعكس حجم الانقسام داخل بنية الدولة السودانية، خرج عامر حسن عباس، أحد القياديين في الحركة الإسلامية السودانية بتصريحات مثيرة وخطيرة لقناة طيبة الموالية للنظام السابق، أكد فيها أن الحركة تتابع المشهد العسكري منذ بدايته، وتقر بوجود أخطاء فادحة في إدارته، ملقيًا باللوم على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، ومعلنًا أن “أي قرار يصدر من الجيش الآن هو قرار صادر من ضباط الحركة الإسلامية”. هذه التصريحات تضع علامات استفهام كبيرة حول من يقود الجيش فعليًا، ومن يتحكم في القرار السيادي في البلاد.
أي قرار يصدر من الجيش السوداني الآن هو قرار صادر من ضباط الحركة الإسلامية
عامر حسن عباس – قيادي بالحركة الإسلامية السودانية
تفكك الثقة بين الإسلاميين والبرهان
بحسب ما صرّح به القيادي الإسلامي «عامر»، فإن الحركة الإسلامية لم تكن تمنح البرهان، سلطة كاملة على الدولة، وهو ما يكشف عن خلافات قديمة ومستترة بين الطرفين، كانت تُدار خلف الكواليس، وخرجت اليوم إلى العلن بسبب تعقيدات الحرب المستمرة.
وقال القيادي: “لا نثق في قيادة البرهان”، مضيفًا أن بعض ضباط الجيش السوداني “تفاجأوا باندلاع الحرب”، وتم اقتيادهم من بيوتهم على يد قوات الدعم السريع. هذا يُشير إلى أن اتخاذ قرار خوض الحرب لم يكن محل إجماع حتى داخل الجيش، بل كان قرارًا فُرض على بعض الضباط دون علمهم، ما يُعزز فرضية أن المؤسسة العسكرية كانت في حالة من التشرذم والارتباك.
ويبدو أن الحركة الإسلامية – أو تيارًا قويًا بداخلها – تسعى الآن إلى النأي بنفسها عن نتائج الحرب الكارثية، بإلقاء المسؤولية على البرهان، رغم ما كشفه القيادي نفسه بأن قرارات الجيش تصدر أساسًا من ضباط الحركة، في تناقض واضح.
إقرار بالتغلغل داخل الجيش وتوريط مباشر في الحكم
أخطر ما في التصريحات عباس، هو الإقرار بأن قرارات الجيش السوداني تُدار من داخل الحركة الإسلامية، ما يمثل دليلًا واضحًا على تسييس المؤسسة العسكرية وتحويلها إلى أداة في يد تيار أيديولوجي محدد.
منذ سقوط نظام البشير في 2019، حاولت الحركة الإسلامية الحفاظ على نفوذها داخل مفاصل الدولة، خاصة داخل الجيش وجهاز الأمن والمخابرات. ولكن التصريحات الأخيرة تزيل الغطاء عن تلك المحاولات، وتكشف أن السيطرة لم تكن مجرد شبهات أو تحليلات، بل واقع مؤكد باعترافات من الداخل.
ويضع هذا التصريح المؤسسة العسكرية السودانية تحت مجهر التشكيك الإقليمي والدولي، حيث إن حياد الجيوش عن التيارات السياسية يُعدّ من أبجديات الجيوش الوطنية. وبهذا الاعتراف، يتم تأكيد أن الجيش السوداني ليس فقط مسيّسًا، بل يُستخدم كأداة بيد الحركة الإسلامية، ما قد يُفسر استمرار الحرب وغياب الحلول السياسية.
إشارات خطيرة على انقسامات داخلية أعمق
وصف القيادي لما جرى في بداية الحرب بأن الضباط “اقتيدوا من بيوتهم” قد يُفهم أيضًا على أنه إشارة إلى عمليات تصفية أو تهميش تمت داخل الجيش ضد من لم يكونوا على وفاق مع قيادة البرهان، أو توجهات الحركة الإسلامية. هذا يُرجّح فرضية وجود أكثر من تيار داخل الجيش: أحدهم موالٍ للبرهان، وآخر للحركة الإسلامية، وربما ثالث يسعى إلى البقاء على الحياد.
ويأتي هذا في وقت يعاني فيه السودان من واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث، حيث أدت الحرب إلى مقتل الآلاف، وتشريد الملايين، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية في عدة مدن، أبرزها الخرطوم ودارفور.
أزمة قيادة أم صراع مراكز نفوذ؟
ما بين عدم الثقة في البرهان، واعتراف السيطرة على قرارات الجيش، وتبرئة الذات من الحرب، تتضح ملامح صراع عميق بين أطراف السلطة القديمة في السودان، وتكشف التصريحات عن أزمة قيادة حقيقية، وربما صراع مراكز نفوذ داخل ما تبقى من مؤسسات الدولة.
وبينما تستمر الحرب في إلتهام ما تبقى من مقدرات السودان، تبدو القيادة السياسية والعسكرية في حالة من الانفصال التام عن الواقع، منشغلة في صراع داخلي، بدلاً من البحث عن مخرج وطني يُنهي هذه الكارثة الإنسانية.