الأخبارتقارير

البرهان والحركة الإسلامية: تحالف خفي يعيد السودان إلى الوراء

بورتسودان | برق السودان

منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في عام 2019، ظل السودان يتأرجح بين آمال الانتقال الديمقراطي وخيبات الواقع المليء بالمؤامرات والتقاطعات السياسية. واليوم، تتكشف ملامح تحالف خفي بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان والحركة الإسلامية، التي كانت لعقود الذراع الأيديولوجي والأمني للنظام البائد.

هناك ضباطاً في سلاح المدرعات والاستخبارات العسكرية يعملون على تسليح مجموعات مدنية موالية للحركة الإسلامية تحت لافتات مقاومة التمرد بينما يُقصى الضباط الوطنيون أو يُجبرون على التقاعد

“المقاومة الشعبية”: عباءة جديدة لتحالف قديم

تشير تقارير متعددة، من داخل السودان وخارجه، إلى أن البرهان يسعى لإعادة تمكين الإسلاميين عبر واجهات جديدة مثل تنظيم “المقاومة الشعبية”، الذي ينشط في ولايات متعددة بشعارات شعبوية، لكنه يحمل في طياته أجندة أيديولوجية مرتبطة بالحركة الإسلامية. هذا التنظيم لا يعمل في فراغ، بل يحظى بدعم لوجستي وعسكري من عناصر داخل المؤسسة العسكرية.

مصدر عسكري سابق تحدث لـ”برق السودان” مشترطًا عدم كشف هويته، أكد أن “هناك ضباطاً في سلاح المدرعات والاستخبارات العسكرية يعملون على تسليح مجموعات مدنية موالية للحركة الإسلامية تحت لافتات مقاومة التمرد، بينما يُقصى الضباط الوطنيون أو يُجبرون على التقاعد.”

الجيش والإسلاميون: علاقة استراتيجية منذ 1989

منذ انقلاب 30 يونيو 1989، تحوّل الجيش السوداني إلى أداة طيعة بيد الإسلاميين لبسط سيطرتهم على مؤسسات الدولة، وإقصاء القوى المدنية. واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، مع عودة التنسيق بين قيادات إسلامية بارزة وقادة عسكريين، تحت ستار “مقاومة التمرد” أو “الحفاظ على السيادة الوطنية”.

في هذا السياق، أشار محلل سياسي سوداني مقيم في القاهرة إلى أن “ما يحدث الآن هو إعادة تدوير للحركة الإسلامية في ثوب جديد، بعد أن فشلت في العودة عبر صناديق الاقتراع، فاختارت الطريق الأمني والعسكري مجددًا.”

وعود بلا التزام

برغم تعهداته المتكررة للمجتمعين الإقليمي والدولي بدعم التحول الديمقراطي، يظهر سلوك البرهان على الأرض عكس ذلك. فبدلاً من الالتزام بخارطة الطريق الانتقالية، يعمل على ترميم التحالفات القديمة، من خلال إعادة توظيف الإسلاميين داخل الدولة ومؤسساتها، وربما تمكينهم في مراحل لاحقة من مفاصل الحكم.

دبلوماسي غربي مطلع على ملف السودان قال لـ”بارق السودان”: “رغم الخطابات الرسمية، فإن المؤشرات الأمنية والاستخباراتية تفيد بأن البرهان لم يفك ارتباطه بالإسلاميين، بل يستخدمهم كورقة ضغط داخلية وميدانية، خاصة في الحرب الجارية.”

تحالف ضرورة أم مشروع عودة؟

يذهب بعض المحللين إلى أن تحالف البرهان مع الحركة الإسلامية ليس فقط تكتيكًا ظرفيًا، بل جزء من استراتيجية لبناء كتلة صلبة موالية له تُمكّنه من السيطرة على المشهد، خاصة مع اتساع نفوذ قوات الدعم السريع على الأرض، وغياب المبادرات المدنية القادرة على فرض معادلة توازن.

الباحث في الشؤون السودانية، عبد الله النور، يرى أن “عودة الإسلاميين إلى المشهد ليست فقط من خلال السلاح، بل أيضاً عبر الإعلام، والتعليم، والمنظمات الخيرية التي يجري تنشيطها من جديد في مناطق النزاع، لتقديم الدعم مقابل الولاء.”

الخطر القادم: إعادة إنتاج الاستبداد

إن تجاهل هذه التحركات يعيد السودان إلى مربع الاستبداد السياسي والديني، ويقوّض أي أمل في بناء دولة مدنية ديمقراطية. كما أن عودة الإسلاميين، بصيغ جديدة، تهدد بجر البلاد إلى صراعات أيديولوجية وعسكرية أكثر تعقيداً، خاصة مع وجود نزاع دموي مستمر في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.

يبدو أن السودان اليوم يقف على مفترق طرق خطير، حيث تختلط الحسابات العسكرية بالمشاريع السياسية العقائدية، ما يجعل من التحول الديمقراطي حلمًا يتبخر أمام أعين السودانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى