الأخبارتقارير

الجيش السوداني يبيع الأراضي مقابل السلاح: صفقات سرية مع القاهرة تكشف انهيار السيادة

عندما تتحول الجغرافيا إلى صفقة

تحقيق | برق السودان

في ظل الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، ظهرت وثائق مسرّبة تكشف عن جانب مظلم وغير معلن من التحالفات العسكرية والإقليمية التي تقودها القيادة العسكرية السودانية.

المعلومات المتداولة تشير إلى صفقات سرية أبرمتها المؤسسة العسكرية مع السلطات المصرية، تُمكن الأخيرة من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة شمال السودان، مقابل دعم عسكري ولوجستي مباشر.

الصفقات – التي لم يُعلن عنها رسميًا – تمّت بمعزل عن أي سلطة تشريعية أو رقابة مدنية، في ظل تغييب تام للرأي العام، وهو ما يعزز المخاوف من تحوّل السودان إلى دولة تُدار من خلال الصفقات السرية بعيدًا عن مصالح الشعب السوداني.

يخشى مراقبون من أن يكون الدعم المصري جزءًا من خطة إقليمية لإبقاء الجيش السوداني في السلطة وإجهاض أي مشروع وطني للتحول الديمقراطي أو إقامة حكم مدني

عقود طويلة الأجل: أراضٍ سودانية تحت الانتفاع المصري دون علم الشعب

وفقًا للوثائق المسربة، فإن الجيش السوداني وقّع عقود انتفاع طويلة الأمد مع شركات مصرية، تتعلق بأراضٍ زراعية تمتد في ولايتي نهر النيل والشمالية، وتُعد من أغنى الأراضي من حيث التربة والمياه الجوفية.

وتشير المصادر إلى أن العقود تمنح الجانب المصري حق الانتفاع المطلق، دون تحديد سقف زمني واضح، أو أية ضمانات لحفظ حقوق السودان أو ضمان عوائد اقتصادية عادلة. بل أن الشروط الموقعة، وفقًا للوثائق، تُظهر انحيازًا كاملًا لمصالح الطرف المصري، وسط صمت رسمي من القيادة العسكرية وعدم وجود أي تقارير عن مناقشة هذه الصفقات داخل أي مؤسسة رسمية سودانية.

اللافت أن هذه الأراضي لم تكن مجرد ممتلكات هامشية، بل كانت محورًا لخطط استراتيجية في الأمن الغذائي والتنمية الزراعية، ما يجعل التفريط فيها يشكل خطرًا مباشرًا على مستقبل السيادة الاقتصادية للسودان.

الوثيقة-المسربة
عقود طويلة الأجل: أراضٍ سودانية تحت الانتفاع المصري دون علم الشعب

السلاح مقابل السيادة: تفاصيل الدعم العسكري من مصر للجيش السوداني

في مقابل التنازل عن الأراضي، حصل الجيش السوداني على حزمة من الدعم العسكري المصري، شملت:

 • توريد ذخائر ومعدات قتالية

 • صيانة للآليات العسكرية المتضررة

 • تبادل استخباراتي لدعم عمليات الجيش ميدانيًا

 • تدريب عسكري لبعض الوحدات في قواعد داخل مصر

هذا التحالف – الذي تم بعيدًا عن أنظار الرأي العام – يثير تساؤلات جوهرية حول مشروعية مثل هذه الصفقات، خاصة أن السودان يخضع حاليًا لحالة حرب داخلية، ويفتقر لبرلمان شرعي أو مؤسسات رقابية مدنية.

ويخشى مراقبون من أن يكون الدعم المصري جزءًا من خطة إقليمية لإبقاء الجيش السوداني في السلطة، وإجهاض أي مشروع وطني للتحول الديمقراطي أو إقامة حكم مدني، خاصة مع تصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء الحكم العسكري وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية.

ردود فعل غاضبة: الشارع السوداني يرفض “بيع الأرض”

ما إن كُشفت التسريبات حتى تفجرت موجة غضب واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم ناشطون الجيش بالتفريط المتعمد في أراضي الوطن من أجل مصالحه الضيقة. واعتبروا أن مؤسسة الجيش تحولت إلى تكتل مصالح سياسية وعسكرية لا يعكس تطلعات الشعب، بل يعمل على الحفاظ على امتيازاته بأي ثمن، حتى لو كان المقابل هو بيع الأرض.

كما طالبت شخصيات حقوقية وممثلون عن المجتمع المدني بفتح تحقيق دولي في هذه العقود، نظرًا لاحتمال مخالفتها للقانون الدولي الذي يمنع حرمان الشعوب من مواردها الطبيعية، خصوصًا في ظل غياب أي تمثيل شرعي أو انتخابي حاليًا في السودان.

عندما تتحول الجغرافيا إلى صفقة

الصفقات بين الجيش السوداني والسلطات المصرية، التي تم الكشف عنها، تمثل واحدة من أخطر مراحل التآكل في السيادة الوطنية. لم يعد الجيش يمارس فقط دورًا سياسيًا، بل بات يفرّط في أراضي الدولة مقابل بقاء رموزه في السلطة. وهذا النهج، إذا استمر، لا ينذر فقط بخسارة الأرض، بل بخسارة الوطن نفسه.

هذه ليست حربًا لحماية التراب الوطني، بل حربٌ لحماية السلطة على حساب الوطن. وإذا لم يتم فتح الملفات وكشف الحقائق ومحاسبة المتورطين، فإن ما يُباع اليوم من أراضٍ، سيُستكمل غدًا بالتفريط في القرار الوطني، وربما في الدولة نفسها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى