الخرطوم | برق السودان
بعد نحو 3 أعوام ونصف على سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في السودان الممتد لنحو 30 عاماً، يقر الكثير من السودانيين بالتقدم الجدير بالإشادة الذي حققه السودان في إرساء سجل أداء إيجابي في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي؛ فقد شهد السودان تحسناً خارجياً وإقتصادياً بعد الثورة.
خروج من العزلة
يرصد مراقبون ما يمكن إعتباره إنجازات تحققت في السنوات الثلاث الماضية من عمر الثورة السودانية، تتمثل في خروج السودان من العزلة الدولية سياسياً وإقتصادياً. في وقت تدحرجت فيه البلاد في عهد المعزول عمر البشير، ودخلت في سلسلة مواجهات مع المجتمع الدولى أدمت قدمى الإنقاذ الحافيتين وكلفت البلاد خسائر فادحة فى السياسة والإقتصاد وإتساع نطاق النزاعات وخسارة وحدة السودان.
إنجازات الثورة وإخفاقات إخوان السودان
كان أكبر إنجاز حققته الثورة هو كسر العزلة الدولية وإخراج السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. هذا فتح الباب أمام السودان للاستفادة من مبادرة “هيبيك” والحصول على وعد بإعفاء الخرطوم من 25 مليار دولار من الديون المتراكمة، وإستعادة عضويتها في صندوق النقد الدولي، وتأهيلها للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية.
في عهد البشير.. تدحرجت البلاد فى ودخلت في سلسلة مواجهات مع المجتمع الدولى أدمت قدمى الإنقاذ الحافيتين وكلفت البلاد خسائر فادحة فى السياسة والإقتصاد وإتساع نطاق النزاعات وخسارة وحدة السودان
في المقابل لم يستفيد السودان من العنتريات في عهد المخلوع عمر البشير، تحت مسمى مظلة السيادة الوطنية وخسر من تحديه للأسرة الدولية الكثير، فقد كانت حصيلة المعارك الوهمية وهى فى حقيقتها دفاع عن أخطاء جماعة الإخوان المسلمين ليتخفى تحت الشعارات المضللة، كانت تكلفة التهريج أن قررت الأمم المتحدة تطبيق جزاءات على السودان وفق القرار 1574 وألحقته بتصعيد للعقوبات وفق قرار 1593 بشأن دارفور فى العام 2005م، وجاء قرار حظر السلاح وتجميد الأرصدة رقم 1325 ضد كل من يعوق السلام فى دارفور، والقرار رقم 1556، ومن ثم قرار إحالة ملف دارفور للأمم المتحدة 1564 والقرار الخاص بتحويل البشير، وثلاثة من معاونية لمحكمة الجنايات 1593 والقرار 1769 وهو أخطر القرارات الأممية ضد السودان تحت الفصل السابع الملزم لميثاق الأمم المتحدة الذى أرسل قوات للسودان تفوق فى العدد والتسليح القوات أيام الإستعمار قبل الإستقلال 1955م.
إستمر نظام الإنقاذ تحت مسمى مظلة السيادة الوطني حتى تراكمت القرارات ضد البلاد من المجتمع الدولى إلى أكثر من 61 قرار أممى بالإضافة لقرارات من دول ومنظمات إقليمية و أصبح رأس دولة الإنقاذ ملطشة إذا سافر لأى دولة جوار.
أن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الانتقالية وضعت السودان في المسار الصحيح، وكانت هناك “عدة مؤشرات إيجابية” لصالح الحكومة، منها تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر النظام المصرفي الرسمي بدلاً عن السوق الموازي بعد تعويم سعر الجنيه وثبات سعر الصرف، وذلك لم يحدث لعقود طويلة، ووفر للسودان خلال شهور قليلة فائضاً احتياطياً نقدياً تجاوز ملياري دولار وقلل عجز الميزانية العامة.
وشهد السودان ما بعد الثورة توسعاً ملحوظاً في المساحات المزروعة، مما رفع إنتاجية محصول القمح في العامين الماضيين، وكذلك محصول القطن، وكان تراجعها يؤهل البلاد لهجرة رؤوس الأموال لكنه نقلها من المضاربات في السلع إلى الأنشطة الإنتاجية ذات العوائد المجزية، في وقت كان فيه نظام البشير، يقطع الطريق أمام كل تلك الخطوات.
لا توجد مقارنة بين ما كان عليه معاش الناس قبل الثورة وبعدها، الوضع الآن أكثر استقراراً بلا أدنى شك، في الوقت الذي كان يعيشه فيه نظام البشير، في التردي الاقتصادي والانهيار وقد “اقترب الوضع في سنوات حكم الإنقاذ من حالة المجاعة”.
العدالة
تختلف مساحة العدالة والحريات بين فترة حكم البشير وفترة ما بعد الثورة، إختلاف كبير في الممارسات بين الفترتين في مجال الحريات والتضييق عليها، خاصة الاعتقالات السياسية وبيوت الاشباح في عهد ما قبل الثورة.
ويحتفظ الشارع السوداني الآن بالقدرة على الخروج والاحتجاج ورفع مطالبه وقتما يشاء، وهو حصاد سنين من النضال والدماء والسجون والتشريد والإقصاء السياسي الذي لازم فترة حكم البشير.
وشهد ملف الحريات تطوراً إيجابياً في عهد ما بعد البشير، دلالته غياب السودان عن تقارير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حتى لحظة “قرارات 25 أكتوبر”.
ويعتبر تعاون السودان مع المحكمة الجنائية الدولية ومثول المتهمين في قضايا جرائم الحرب اختراقاً مهماً في ملف العدالة، في وقت تتمتع فيها الصحافة والإعلام والأنشطة السياسية بالحرية.
جرد حساب إنجازات الثورة وإخفاقات ما قبلها سيتواصل، فيما تستمر المظاهرات والمواكب من أجل تحقيق أهدافها، وعلى رأسها “مدنية الدولة”، وتكوين المجلس التشريعي، وتعديل القوانين لتحقيق التحول الديمقراطي، وتشكيل المنظومات العدلية من مجلس قضاء ونيابة ومحكمة دستورية.
وفي سياق إخفاقات الثورة، سنتحدث عن فشل حكومة ما بعد الثورة في إنجاز هيكلة القوات النظامية والمسلحة، وعدم حسم مصير شركات المنظومة الأمنية التابعة لولاية وزارة المالية.