الأخبارتقارير

السودان بين حكومتين.. هل تتجه الأزمة نحو التقسيم؟

نيروبي تحتضن اجتماعات حاسمة حول مستقبل السودان

نيروبي | برق السودان – خاص

مع تصاعد الأزمة السياسية والعسكرية في السودان، تتجه الأنظار اليوم، نحو العاصمة الكينية نيروبي، التي تستضيف اجتماعات دبلوماسية مكثفة لبحث مستقبل البلاد في ظل استمرار الحرب والانقسام السياسي المتزايد.

الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لم يعد يقتصر على المواجهات العسكرية، بل تحول إلى صراع سياسي على الشرعية وإدارة البلاد، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان السودان يتجه نحو واقع جديد من الحكم المزدوج، أم أن هناك فرصة لإيجاد تسوية سياسية تمنع تقسيمه فعليًا.

الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة «الموازية» في غضون أسبوع أو أكثر بعد التوقيع على الميثاق

سودان واحد بحكومتين.. معادلة معقدة

في ظل استمرار القتال وانسداد الأفق السياسي، برزت ظاهرة الحكم المزدوج، حيث بات السودان يدار من قبل حكومتين متوازيتين، لكل منهما مؤسساتها وهيئاتها الإدارية الخاصة:

1. حكومة الجيش في بورتسودان:

• يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يسعى للحفاظ على الاعتراف الدولي بالقوات المسلحة كحاكم شرعي للسودان.

• تسيطر الحكومة على شرق السودان، بما في ذلك الموانئ الحيوية المطلة على البحر الأحمر، كما تدير عملياتها من مدينة بورتسودان التي تحولت إلى عاصمة مؤقتة.

• تتلقى دعمًا سياسيًا من روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول الإقليمية، مثل مصر، وتسعى لتأمين الموارد المالية والبنية التحتية لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة تحت إدارتها.

2. حكومة الدعم السريع في الخرطوم:
• تعمل قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على ترسيخ سلطتها في الخرطوم وأجزاء واسعة من دارفور وكردفان.

• بدأت في تأسيس هياكل حكم بديلة، تشمل تعيين مسؤولين مدنيين وإطلاق مبادرات إدارية لمحاولة كسب اعتراف داخلي وخارجي.

• تسعى للحصول على دعم إقليمي ودولي، وسط تقارير عن علاقات وثيقة مع بعض القوى الخارجية التي تسعى لاستغلال الوضع لصالحها.

هذا الوضع يثير مخاوف بشأن مستقبل السودان، إذ أن استمرار حكم مزدوج لفترة طويلة قد يؤدي إلى واقع شبيه بما حدث في ليبيا واليمن، حيث تنازعت حكومات موازية على الشرعية، مما أدى إلى تفتيت الدولة وانهيار مؤسساتها المركزية.

اجتماعات نيروبي.. هل تنجح في كسر الجمود؟

تترقب الساحة السودانية في الساعات المقبلة الإعلان عن سلطة سياسية في مناطق «قوات الدعم السريع» تكون موازية للحكومة التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، والتي تعمل من مدينة بورتسودان.

«الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة (الموازية) في غضون أسبوع أو أكثر، بعد التوقيع على الميثاق، غداة انتهاء اللجان المشكلة من الأطراف المعنية من الاتفاق على اختيار الوزراء والمسؤولين في مستويات الحكم الثلاثة».

تأتي مفاوضات نيروبي في توقيت حرج، حيث تواصل القوى الدولية والإقليمية جهودها للضغط على طرفي النزاع للوصول إلى تسوية سياسية، لكن العقبات لا تزال كثيرة:
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يواصلان ممارسة الضغط لوقف إطلاق النار ووضع خارطة طريق انتقالية، إلا أن الطرفين لم يبديا استعدادًا فعليًا لتقديم تنازلات كبيرة.

الإيقاد (الهيئة الحكومية للتنمية) تحاول لعب دور الوسيط، لكن الجيش السوداني يعترض على الدور الكيني، متهمًا نيروبي بالتحيز لصالح قوات الدعم السريع.
• دول عربية وخليجية تراقب التطورات عن كثب، وسط اختلاف في وجهات النظر بين دعم الجيش السوداني أو البحث عن تسوية متوازنة تُنهي الصراع دون تمكين طرف على حساب الآخر.

في ظل هذه التعقيدات، تبرز تساؤلات جادة حول قدرة اجتماعات نيروبي على إحداث اختراق سياسي فعلي، أم أن الوضع سيتجه نحو مزيد من التصعيد العسكري والسياسي؟

مخاوف من التقسيم وصراع طويل الأمد

مع استمرار الانقسام بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ البعض يثير مخاوف من انزلاق السودان إلى سيناريو التقسيم الفعلي، حيث تصبح مناطق سيطرة كل طرف بمثابة دولة مستقلة، ولو بشكل غير رسمي.

الواقع على الأرض يشير إلى أن استمرار هذا الوضع دون حلول سياسية قد يكرّس فكرة الحكم المزدوج، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات القبلية والمناطقية، وزيادة التدخلات الخارجية، وتعميق الأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين السودانيين.

هل يتكرر سيناريو اليمن وليبيا؟

في ليبيا، أدى الصراع بين الحكومتين المتنافستين إلى انهيار كامل لمؤسسات الدولة، وباتت البلاد منقسمة فعليًا بين شرق تديره حكومة مدعومة من الجيش، وغرب تديره حكومة أخرى مدعومة من جهات مختلفة.

في اليمن، استمرت الحرب لسنوات بين الحكومة الشرعية والحوثيين، مما تسبب في كارثة إنسانية هائلة، وأدى إلى تدخلات إقليمية ودولية عمقت الأزمة.

هذه السيناريوهات ليست بعيدة عن السودان، فكل المؤشرات الحالية تدل على أن استمرار الحرب دون حلول سياسية قد يجعل البلاد مهيأة لتكرار تجربة الانقسام، مع وجود حكومتين متنافستين لكل منهما داعمون داخليون وخارجيون.

ما هو مستقبل السودان؟

في ظل هذه التطورات، يبقى مستقبل السودان ضبابيًا، حيث يعتمد المسار القادم على عدة عوامل:

1. مدى قدرة الضغوط الدولية والإقليمية على إجبار الطرفين على التفاوض الجاد.
2. إمكانية تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وبدء عملية سياسية شاملة.
3. ما إذا كان الجيش والدعم السريع سيقبلان بحل وسط، أم أن كليهما سيواصل القتال لتعزيز مواقعه العسكرية والسياسية.

يبقى السؤال الأهم: هل ستكون اجتماعات نيروبي بداية حل للأزمة السودانية، أم أن البلاد ستستمر في التدهور نحو سيناريو الحرب الأهلية الطويلة والتقسيم الفعلي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى