
تقرير استقصائي | برق السودان
في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، تتجه طهران إلى تكتيك جديد يتمثل في نقل معركتها خارج الحدود، مستغلة الفوضى الداخلية في السودان والانقسام السياسي والانهيار الأمني لتحويل البلد الإفريقي إلى منصة متقدمة لشن هجمات إقليمية وتنفيذ مخططات توسعية. هذا التقرير الاستقصائي يتتبع بالدليل الزمني والجغرافي مراحل التغلغل الإيراني في السودان، وأهدافه العسكرية والاستراتيجية، وتأثيره على الأمن الإقليمي.
قاعدة أوسيف لم تُقم لحماية السودان أو دعمه بل لتكون مركزًا إقليميًا يسهّل لطهران تهريب الأسلحة ومهاجمة مصالح إسرائيل وحلفائها
قاعدة أوسيف: رأس الحربة الإيرانية على البحر الأحمر
في خطوة غير معلنة رسميًا، بدأت إيران في إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة أوسيف الساحلية شرق السودان، بدعم مباشر من الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وبحسب مصادر استخباراتية، تم تجهيز القاعدة لتخزين أسلحة متطورة ومكونات عسكرية حساسة، بما في ذلك طائرات مسيّرة وقطع غيار لصواريخ بعيدة المدى.
القاعدة تقع في موقع استراتيجي يتيح لإيران مراقبة وتحريك عملياتها عبر البحر الأحمر، بعيدًا عن أنظار المجتمع الدولي ورقابة الأقمار الصناعية الموجهة نحو الخليج. في الواقع، لم تُقم هذه القاعدة لحماية السودان أو دعمه، بل لتكون مركزًا إقليميًا يسهّل لطهران تهريب الأسلحة ومهاجمة مصالح إسرائيل وحلفائها.
ويقول محللون عسكريون إن هذه القاعدة تمثل أول موطئ قدم لطهران في القارة الإفريقية بهذه الدرجة من التعمق، وتعيد إلى الأذهان سيناريو حزب الله في لبنان، ولكن على نطاق جغرافي ومسرحي أكبر.
الهجمات الجوية الإسرائيلية المكثفة على منشآت الأسلحة داخل إيران خلال العام الماضي دفعت القيادة الإيرانية للبحث عن بدائل خارجية وكانت السودان هي الوجهة المختارة
من طهران إلى بورتسودان: مصانع ومسارات تهريب خارج السيطرة
الهجمات الجوية الإسرائيلية المكثفة على منشآت الأسلحة داخل إيران خلال العام الماضي دفعت القيادة الإيرانية للبحث عن بدائل خارجية، وكانت السودان هي الوجهة المختارة.
وبالتنسيق مع أطراف نافذة في القيادة العسكرية السودانية، تم إنشاء مصانع صغيرة الحجم ولكن عالية الكفاءة داخل الأراضي السودانية لإنتاج الطائرات المسيّرة الإيرانية ومكوناتها.
ميناء بورتسودان، الذي يُعد الشريان التجاري الأهم في السودان، أصبح بوابة خلفية تستخدمها إيران لتهريب الأسلحة والمواد المتفجرة إلى اليمن وسوريا ولبنان.
وتؤكد تقارير واردة من المنطقة أن شحنات قادمة من ميناء “بندر عباس” الإيراني تصل إلى أسمرا في إريتريا ثم تُنقل برًّا إلى السودان، حيث تُخزن مؤقتًا قبل تهريبها مجددًا عبر البحر.
وتسير هذه العمليات تحت غطاء عسكري وأمني وفّره الانهيار المؤسسي في السودان، ما جعل البلاد نقطة عبور رئيسية لتدفقات السلاح الإيرانية، في ظل تجاهل دولي واضح أو ربما عجز عن التعامل مع هذه التحولات الجيوسياسية الخطيرة.
شحنات قادمة من ميناء »بندر عباس« الإيراني تصل إلى أسمرا في إريتريا ثم تُنقل برًّا إلى السودان حيث تُخزن مؤقتًا قبل تهريبها مجددًا عبر البحر
السودان رهينة لمشروع توسعي إيراني يهدد البحر الأحمر
الهدف الإيراني لا يقتصر على تخزين الأسلحة أو تصنيعها فقط، بل يمتد إلى تثبيت وجود دائم في السودان، ليكون مركزًا للتنسيق الإقليمي مع الميليشيات المسلحة المدعومة من طهران مثل الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، والجماعات المرتبطة بفيلق القدس.
يأتي هذا في وقت تتزايد فيه المؤشرات على أن إيران تسعى إلى استغلال غياب الدولة المركزية في السودان لبناء تحالفات محلية تؤمّن لها الغطاء السياسي واللوجستي، وتحمي مواقعها العسكرية في الساحل الشرقي للبلاد.
مصادر دبلوماسية حذّرت من أن هذا التوغل الإيراني يمثل تهديدًا مباشرًا للقرن الإفريقي ولأمن البحر الأحمر، خاصة مع قرب خطوط الملاحة البحرية الدولية من مواقع التمركز الإيراني في السودان.
ومن غير المستبعد أن تشهد المرحلة المقبلة توترات بحرية أو عمليات تصعيد ضد مصالح إسرائيل أو حلفائها انطلاقًا من الأراضي السودانية.
تحذير استباقي: قاعدة أوسيف ليست سوى البداية
ما تم كشفه حتى الآن يمثل فقط رأس جبل الجليد، إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران تخطط لبناء شبكة متكاملة من المواقع العسكرية واللوجستية داخل السودان، تشمل مراكز تدريب للمسلحين، ومستودعات سرية، ومرافئ خاصة لتهريب السلاح.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن طهران تراهن على استمرار الفوضى في السودان لتحقيق أكبر قدر ممكن من التمدد، دون الحاجة إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الدولية أو الإقليمية.
من جانب آخر، فإن هذا التصعيد الإيراني يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي والدول الإقليمية، لا سيما تلك المعنية بأمن البحر الأحمر، لمنع تحول السودان إلى منصة دائمة لحرب إيرانية بالوكالة تهدد استقرار الشرق الأوسط وأفريقيا معًا.
ما يجري في السودان ليس مجرد انزلاق محلي نحو الفوضى، بل هو جزء من مشهد إقليمي أعاد تشكيله التدخل الإيراني المتزايد، مستغلًا الغياب العربي والدولي. وإذا لم تُتخذ خطوات حاسمة لوقف هذا التغلغل، فقد يتحول السودان إلى مركز حرب يُدار من خلف الستار، يخدم أجندات طهران على حساب استقرار المنطقة ومستقبل الشعب السوداني.