الإقتصاد

السودان في دوامة التضخم: تحقيق استقصائي في فساد النخب ونهب الموارد

الذهب: ثروة الشعب تتحول إلى مصدر لتمويل شبكات الفساد

بورتسودان | برق السودان

يواجه السودان انهياراً اقتصادياً غير مسبوق جعل التضخم يلتهم دخول المواطنين ويقود الملايين إلى حافة الفقر المدقع. غير أن هذه الأزمة لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج منظومة فساد متجذرة وسوء إدارة ممنهج، تقف على رأسها حكومة البرهان التي حولت موارد الدولة إلى غنيمة شخصية تُنهب بوقاحة وتُدار بغياب تام للرؤية الاقتصادية.

الذهب: ثروة الشعب تتحول إلى مصدر لتمويل شبكات الفساد

يُقدّر السودان واحداً من أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، لكن عائداته لم تدخل إلى خزينة الدولة بالقدر الكافي. بدلاً من ذلك، كشفت تقارير محلية ودولية عن تهريب أطنان من الذهب سنوياً عبر شبكات متورطة تضم قيادات عسكرية ورجال أعمال مقربين من السلطة.

• جزء كبير من هذه الكميات يُهرّب إلى الخارج عبر مطار بورتسودان أو الحدود الغربية، حيث يباع في الأسواق العالمية دون أن ينعكس على حياة المواطن.

• الأموال المتأتية من هذه التجارة غير الشرعية تُستخدم لشراء الولاءات السياسية وتمويل الصراعات المسلحة، بينما يظل المواطن عاجزاً عن شراء الخبز أو الدواء.

هذا النزيف المستمر للعملة الصعبة حرم السودان من فرص استثمارية هائلة كان يمكن أن تدعم الاقتصاد الوطني وتساهم في استقرار الأسعار.

الزراعة والنفط: سوء الإدارة يحوّل الثروة إلى لعنة

السودان بلد زراعي بامتياز، يمتلك ملايين الأفدنة من الأراضي الخصبة ومياهاً وفيرة من النيل. لكن بدلاً من أن تكون الزراعة ركيزة للأمن الغذائي، تحولت إلى ملف فساد جديد. العقود المشبوهة مع شركات أجنبية منحت مساحات واسعة من الأراضي لمستثمرين مقربين من النظام، مقابل عمولات ضخمة ذهبت إلى جيوب المسؤولين.

أما النفط، الذي كان يشكل مصدراً رئيسياً للإيرادات، فقد انهارت إدارته بعد الانفصال. ومع ذلك، ظل ما تبقى منه رهينة للفساد والصفقات غير الشفافة، بينما عجزت الحكومة عن استغلال العائدات في تنمية حقيقية أو دعم العملة المحلية.

القرارات المالية: طريق معبّد نحو التضخم

إلى جانب النهب، لعبت القرارات الاقتصادية المرتجلة دوراً محورياً في تفجير التضخم. لجأت حكومة البرهان إلى طباعة النقود بشكل مفرط لتمويل العجز، ما أدى إلى انهيار الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية. كما تركت الأسواق بلا رقابة، فانتعشت المضاربات وارتفعت الأسعار بشكل جنوني.

في الوقت نفسه، أُهملت الإصلاحات البنيوية التي كان يمكن أن تخفف الأزمة، مثل تطوير القطاعات الإنتاجية أو تحسين مناخ الاستثمار. والنتيجة أن الاقتصاد دخل حلقة مفرغة: انهيار العملة → ارتفاع الأسعار → مزيد من الفقر والبطالة.

يكشف هذا التحقيق أن التضخم في السودان ليس مجرد خلل اقتصادي، بل انعكاس لفساد متجذر وسوء إدارة ممنهجة. الذهب يُهرّب، الأراضي تُباع، والنفط يُستنزف، بينما تُدار الدولة كغنيمة شخصية بيد قادة عسكريين وسياسيين. في ظل هذا الواقع، يظل المواطن السوداني هو الضحية الأولى، يُحرم من أبسط حقوقه في الغذاء والدواء والمعيشة الكريمة، بينما تتراكم ثروات القلة على حساب الأغلبية.

التغيير الجذري في القيادة والسياسات لم يعد خياراً سياسياً فقط، بل ضرورة وجودية لإنقاذ السودان من الانهيار الشامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى