أخبار كوروناالصحة

الكشف عن الأسس البيولوجية وراء “ضباب الدماغ” بعد الإصابة بفيروس كورونا

الصحة | برق السودان

عاني عدد كبير من المتعافين من فيروس كورونا من حالة تُعرف باسم “ضباب الدماغ”، وهي اضطراب إدراكي يجعل الشخص يشعر بتشتت ذهني وصعوبة في التركيز والتفكير الواضح، إضافة إلى ضعف في الذاكرة قصيرة المدى. هذه الحالة أصبحت من أبرز أعراض ما يُعرف بـ “كوفيد الطويل”، وقد تستمر لأسابيع أو حتى أشهر بعد التعافي من العدوى.
لكن ما الذي يسبب هذا الاضطراب؟ وما هي التفسيرات العلمية وراءه؟

ما هو “ضباب الدماغ” وما مدى انتشاره بعد كورونا؟

ضباب الدماغ ليس مرضًا مستقلاً، بل مجموعة من الأعراض العصبية والإدراكية التي يشعر بها المريض بعد التعافي من العدوى. وتشمل هذه الأعراض بطء معالجة المعلومات، فقدان القدرة على التركيز، والتشتت الذهني المستمر.

أظهرت دراسات عديدة أن نسبة كبيرة من المصابين بكوفيد الطويل يعانون من ضباب الدماغ، بغضّ النظر عن شدة الإصابة الأصلية. فقد تظهر الأعراض حتى لدى من كانت حالتهم خفيفة أو متوسطة.

كما بينت الأبحاث أن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة من الرجال، وأن المرضى الذين احتاجوا إلى رعاية مركزة خلال العدوى معرضون أكثر للإصابة باضطرابات إدراكية طويلة الأمد.

الأسباب البيولوجية وراء ضباب الدماغ بعد كورونا

يعتقد العلماء أن هناك عدة آليات بيولوجية تعمل معًا لتفسير هذه الظاهرة، ومن أبرزها:

الالتهاب العصبي المزمن

يشير الباحثون إلى أن فيروس كورونا قد يُحدث التهابًا مستمرًا في الجهاز العصبي حتى بعد التعافي من العدوى.
فعندما يُصاب الجسم بالفيروس، تنشط الخلايا المناعية في الدماغ — وتُعرف باسم “الميكروغليا” — وتُفرز مواد التهابية مثل السيتوكينات، التي قد تؤثر على الخلايا العصبية وتضعف قدرتها على التواصل فيما بينها.

استمرار هذا الالتهاب يسبب خللاً في وظائف الدماغ، مثل الذاكرة والانتباه، ويضعف ما يُعرف باللدونة العصبية، أي قدرة الدماغ على التكيف والتجدد.
وتشير بعض الدراسات إلى أن مستويات معينة من المواد الكيميائية في الدماغ تتغير لدى المصابين بهذه الحالة، ما يدل على وجود اضطراب حقيقي في النشاط العصبي وليس مجرد أثر نفسي.

ضعف الحاجز الدموي الدماغي

الحاجز الدموي الدماغي هو جدار دقيق يفصل بين الدم وأنسجة الدماغ، ووظيفته حمايته من المواد الضارة.
لكن بعد الإصابة بكورونا، وُجد أن هذا الحاجز قد يتأثر ويصبح أكثر نفاذية، مما يسمح لمواد غريبة أو سامة بالوصول إلى الدماغ.
هذا التسرب قد يؤدي إلى التهاب إضافي داخل الأنسجة العصبية ويؤثر على عمل الخلايا المسؤولة عن التفكير والتركيز.

كما يُعتقد أن الخلايا المبطنة للأوعية الدموية في الدماغ تتعرض لتلف بسيط، مما يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى مناطق حساسة مسؤولة عن الإدراك والذاكرة.

آليات أخرى محتملة

  • إصابات دقيقة في الأوعية الدموية: تؤدي إلى اضطراب في تغذية الخلايا العصبية.

  • إجهاد تأكسدي: نتيجة تراكم الجذور الحرة داخل الدماغ، مما يضعف الطاقة العصبية.

  • بقايا فيروسية في الجسم: ربما تبقى أجزاء من الفيروس في أنسجة معينة، مما يحفّز الجهاز المناعي بشكل مستمر.

  • خلل في الناقلات العصبية: مثل السيروتونين والدوبامين، ما يسبب اضطرابًا في التواصل العصبي.

  • تغيرات في الشبكات العصبية: إذ يمكن أن تتأثر الخلايا الداعمة للدماغ، مما يضعف التناغم بين الإشارات العصبية.

التأثيرات السريرية والتشخيص

ضباب الدماغ لا يقتصر على الشعور الذاتي فقط، بل يمكن ملاحظته في اختبارات الأداء المعرفي، حيث أظهرت دراسات واسعة وجود انخفاض بسيط في القدرات الذهنية مثل الذاكرة والانتباه.
كما أظهرت صور الدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي اختلافًا في نشاط بعض المناطق المرتبطة بالتفكير والتركيز.

حتى الآن لا يوجد اختبار محدد لتشخيص هذه الحالة، لكن الأطباء يعتمدون على تقييم الأعراض، واختبارات الذاكرة والانتباه، إلى جانب الفحوص العصبية الدقيقة لاستبعاد أي أسباب أخرى.

العلاجات المحتملة وآفاق المستقبل

لا يوجد علاج نهائي لظاهرة ضباب الدماغ بعد كورونا، لكن الأبحاث مستمرة.
تركز بعض الدراسات على أدوية تقلل الالتهاب العصبي، أو تعيد التوازن للناقلات العصبية، بينما يتم اختبار أدوية أخرى لتحسين تدفق الدم في الدماغ وتقوية الحاجز الدموي الدماغي.

كذلك، أظهرت برامج إعادة التأهيل الإدراكي، والتمارين البدنية المنتظمة، والنوم الجيد، والتغذية الغنية بمضادات الأكسدة، دورًا مساعدًا في تحسين الأعراض تدريجيًا.

خلاصة

“ضباب الدماغ” بعد كورونا هو نتيجة تفاعل معقد بين الالتهاب العصبي، واضطراب الأوعية الدموية، وضعف الحاجز الدموي الدماغي، وربما بقاء أجزاء من الفيروس داخل الجسم.
ومع استمرار الأبحاث، يأمل العلماء في تطوير مؤشرات بيولوجية تساعد على تشخيص الحالة بدقة، ووضع علاجات فعالة تُعيد للمرضى صفاء الذهن وقدرتهم الطبيعية على التركيز والتفكير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى