المبادرة المصرية والعملية السياسية.. جدل وانقسام في السودان..ما الذي تريده مصر ؟
الخرطوم | برق السودان
وسط جدلٍ وانقسامٍ كبيرين في الساحة السياسية السودانية؛ تجري الترتيبات لانعقاد “ورشة القاهرة” ضمن المبادرة المصرية لجمع الفرقاء السودانيين، حيث كشفت معلومات تحصل عليها “الترا سودان” من بعض المصادر، أن الدعوات المصرية وزعت للمشاركين، في ظل مقاطعة قوى الاتفاق الإطاري للورشة التي ستعقد في الأول من شباط/ فبراير المقبل، وبـ”من حضر”، حسب تأكيد المصادر.
الكاتبة المصرية المتخصصة في الشأن الأفريقي صباح موسى: مصر لم تكن أبدًا بعيدةً عن العملية السياسية في السودان منذ ثورة ديسمبر
وفي حديث لـ”الترا سودان”، الكاتبة المصرية المتخصصة في الشأن الأفريقي صباح موسى، نفت بشدة ما يشاع بأن مصر جاءت لقطع الطريق أمام العملية السياسية، مضيفة أن مصر “لم تكن أبدًا بعيدةً عن العملية السياسية في السودان منذ ثورة ديسمبر، لكنها لم ترد التدخل بشكل مباشر وسط المبادرات المطروحة”، بحسب تعبيرها. وأوضحت موسى أن بلادها لم تفرض أي حلول من الخارج، وأنها كانت تنسق وتتصل بالجهات السودانية المختلفة، للوصول لاتفاق سياسي شامل، وتابعت: “عندما جاء الاتفاق الإطاري، رأت مصر أن الاتفاق إذا مضى بهذه الطريقة سيكون منقوصًا، وسيؤدي إلى عدم استقرار، وإذا تشكلت حكومة وفق هذا الإطار وهناك مجموعات كبيرة من السودانيين خارج هذا الاتفاق، ستكون هناك معارضة كبيرة له، والدليل على ذلك أن هناك حركات مسلحة وقوى كبيرة ضد الاتفاق الإطاري”، حد قولها.
لكن الصحفي ومدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي موسى جودة، يرى أن المصريين يعملون “من أجل تخريب العملية السياسية”، ويضيف جودة في تصريح لـ”الترا سودان”، أن الاستراتيجية المصرية على الدوام تقوم على أن يظل الوضع في السودان تحت سيطرة المؤسسة العسكرية، والتي يرون أنها الضامن الأساسي لمصالحهم في السودان – بحسب جودة، والذي أضاف: “المصريون يريدون حكومة عسكرية ضعيفة مسنودة بأحزاب ليس لها بعد وطني ولا مصالح عليا تدافع عنها، ويعملون على إغراق العملية السياسية عبر الفلول وحلفائهم ومجموعة الحركات المسلحة، وهذا يعني بوضوح التآمر على مصالح الشعب السوداني”.
وبينما يرى البعض أن التدخل المصري جاء متأخرًا بعد أن قطعت العملية السياسية مراحل متقدمة، يرى الناطق الرسمي باسم نداء أهل السودان للوفاق الوطني، هشام الشواني، أن العملية السياسية لم تقطع أي شوط، وأنه لا يوجد دعم للورش المتوقع قيامها. وأضاف الشواني في تصريح لـ”الترا سودان”، أن هناك “مقاطعة من قبل أطراف مهمة للاتفاق الإطاري، ورفض شعبي وسياسي كبير. وتابع الشواني: “الاتفاق الإطاري لا مستقبل له، والقوى التي تقف خلفه هي قوى غير مؤتمنة على هذه المرحلة الانتقالية”.
الناطق الرسمي باسم نداء أهل السودان للوفاق الوطني: الاتفاق الإطاري لا مستقبل له، والقوى التي تقف خلفه هي قوى غير مؤتمنة على هذه المرحلة الانتقالية
ورحب الرئيس التنفيذي لمبادرة نداء أهل السودان الشيخ هاشم قريب الله، بالمبادرة المصرية للحوار السوداني السوداني، على أن تكون شاملة لكل الأطراف السياسة السودانية. وأشار في مؤتمر صحفي عقده في ختام اجتماع الهيئة القيادية للنداء، إلى أن ترحيبهم “يأتي انطلاقًا من جهودهم المستمرة الهادفة إلى إنهاء حالة الانسداد السياسي ولتكوين حكومة مستقلة من كفاءات وطنية”، حد قوله. ويوضح الشواني أن موقفهم في النداء من المبادرة المصرية هو أن يكون الحل “سودانيًا خالصًا”، وأضاف: “لكننا نتعجب كذلك من الرفض الأحمق الذي رأيناه في بيان بعض القوى السياسية، وهو رفض يردد موقف القوى الغربية الاستعمارية القديم من كل مبادرة إقليمية أفريقية”، وفقًا لهشام.
ما الذي تريده مصر ؟
تجدد الكاتبة المصرية صباح موسى تأكيدها بأن “الذي يهم مصر هو استقرار السودان، لأنه فيه استقرارها”، وأضافت أنه حالة السيولة الكبيرة التي يعيشها السودان، تنعكس على مصر، قائلة إن “هناك قرابة ثمانية ملايين سوداني لاجئ في القاهرة ومحافظات مصر المختلفة”. وزادت صباح موسى أنه “إذا لم يحدث استقرار حقيقي، ستتسع هذه الفجوة وسيكون هنالك نزوح أكبر”. وتؤكد موسى أن عدم استقرار السودان هو عدم استقرار مصر، وأن قلق مصر “جاء بشكل مباشر في هذا الوقت لا لقطع الطريق على الاتفاق الإطاري، لكنها تريد أن تأتي باتفاق شامل يضمن استقرار حكومة جديدة والوصول لنهاية المرحلة الانتقالية”.
وحول موقف المجلس المركزي، تقول الكاتبة المصرية أن السبب وراء رفضهم هو أن المجلس المركزي للحرية والتغيير لا يريد “كُتل” بعينها، باستثناء حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي، وتابعت: “مصر لن تفرض أي قوى أخرى، ستجعل الآخرين يجلسون ويقربون وجهات نظرهم”. وأشارت إلى استضافة مصر لاجتماعات منتجع العين السخنة والذي استمر لمدة (15) يومًا، وأن مصر “لم تفرض عليهم شيئًا وقد كانت مرشحة لتكون منبرًا للتفاوض”، قائلة “إن بعض القوى فضلت جوبا، ولم تعترض مصر لأن غايتها هي تحقيق استقرار في السودان”، وفقًا لصباح موسى.
لكن الصحفي ومدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي موسى جودة، يقول إن مصر أنشأت على الحدود مع حلايب “أكبر قاعدة عسكرية على البحر بتكلفة أربعة مليارات دولار”، مشيرًا إلى أن “لدى مصر أطماع توسعية بسبب أن بها انفجار سكاني، وستتوسع جنوبًا على الأراضي السودانية، سواء في شرق السودان أو شماله، حتى ما بعد خزان مروي”، وفقًا لجودة والذي أضاف: “تهدف مصر إلى تمزيق السودان، وهناك خارطة انتشار للجيش المصري في السودان. يوجد في قاعدة سد مروي (4500) جندي مصري، وفي كنانة (2400) جندي، وفي الفشقة هناك (300) جندي من القوات الخاصة يعملون على تدريب قوات من التيغراي تحت غطاء معسكرات اللاجئين”، حد قوله.
إسلاميو السودان والنظام المصري
ويؤكد الكاتب السوداني موسى جودة، بأن مصر تقول إنها “العدو التاريخي للحركة الإسلامية والإخوان المسلمين، وأنه لا يمكن لها أن تشرد الإخوان المسلمين المصريين الحقيقيين وتستعين بالإخوان المسلمين السودانيين كأدوات لتخريب المشهد السوداني”، وتابع: “المصريون أصروا في لقاء المخابرات المصرية مع حزب الأمة القومي، أن يكون يكون الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الوطني والأمة القومي في تحالف لتشكيل حكومة يكون رئيسها البرهان، ورفض حزب الأمة التعاون معهم في هذا السياق”.
وأضاف موسى جودة: ” أنا كنت لاجئًا سياسيًا في القاهرة، ونفس الشقق التي كنا نسكن فيها خلال فترة حكم عمر البشير، يسكن فيها الآن الإسلاميون”. وتابع: “يعتمد مشروع مصر على الإسلاميين بشكل أساسي، وهناك (11) قياديًا من القيادات العسكرية الآن في مصر، فيهم مديران سابقان لجهاز الأمن السوداني، وثلاثة وزراء دفاع سابقين، وكذلك نائب رئيس جمهورية واثنان من رؤساء الوزراء في حقبة الإنقاذ، وكذلك الكوادر الوسيطة والأمنية وغيرهم، كلهم في مصر”، يقول جودة.
مدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي موسى جودة: إذا لم يكن هناك تآمر من الجنرالات لا أعتقد أن الحكومة المصرية تستطيع استباحة أراضي السودان بهذا الشكل
ويشير موسى جودة إلى ما اعتبره استباحة للأجواء السودانية وسيادتها في حالتين، وقال: “أقلعت طائرة من مصر ودخلت شرق السودان وهي تحمل أحد الرأسماليين المصريين، وهو نجيب ساويرس، والذي لم يأتِ عبر الخارجية بل بطائرة خاصة حطت في مطار بورتسودان، أما الحالة الثانية فهي لطائرة عسكرية طبية تتبع للجيش المصري، أقلعت من الأجواء المصرية وحطت في مطار بورتسودان وأقلت محمد طاهر إيلا -وهو رئيس وزراء سابق- دون أن تلتزم بالإجراءات القنصلية المعروفة”، وأضاف: “الحكومة لم تحرك ساكنًا، وإذا لم يكن هناك تآمر من الجنرالات لا أعتقد أن الحكومة المصرية تستطيع استباحة أراضي السودان بهذا الشكل” يؤكد مدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي.
وردًا على الحديث عن “رغبة مصر في إدخال الفلول”، تقول الكاتبة المصرية صباح موسى إن “مصر لا يمكنها أن تأتي بالفلول، وأن على الحرية والتغيير أن تحاول مراجعة نفسها، وليس مصر أن تراجع مبادرتها”، مشيرة إلى أن “مصر لا تمتلك أي مبادرة وهي رحبت بالاتفاق الإطاري وتريد أكبر قدر ممكن من السودانيين في سبيل اتفاق يضمن مرحلة انتقالية مستمرة، وبالتالي الحرية والتغيير عليها أن تاتي للقاهرة، وتجلس وتعرض رؤيتها، والآخرون يعرضون رؤيتهم، ولو استطاعت الحرية والتغيير أن تفرض رؤيتها، لن تتدخل مصر، وكل مافي وسعها هو تقريب وجهات النظر حتى نضمن اتفاق مستقر”.
اقرأ ايضاً :