
بورتسودان | برق السودان
أثار البيان التوضيحي الصادر عن المجلس الأعلى للحج والعمرة، بشأن ما وصفه بـ”الحملات المغرضة” حول أداء بعثة الحج السودانية لموسم 1446هـ، جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والشعبية، وسط اتهامات للمجلس بمحاولة التهرب من المساءلة وتزيين صورة متعثرة بالتبريرات الرسمية.
خطاب دفاعي مفرغ من المراجعة الذاتية يستند إلى العموميات دون تقديم أي مستندات أو توضيحات عملية للمخالفات الميدانية التي شكا منها الحجاج
خطاب دفاعي متكرر يعيد إنتاج الأزمات
البيان، الصادر من بورتسودان، جاء في وقت تصاعدت فيه الانتقادات حول سوء التخطيط، والتضييق على الحجاج، واتهامات بفساد في تكلفة الهدي والنقل والإعاشة. إلا أن ما وصفه المجلس بـ”توضيح الحقائق” بدا أقرب إلى خطاب دفاعي مفرغ من المراجعة الذاتية، يستند إلى العموميات دون تقديم أي مستندات أو توضيحات عملية للمخالفات الميدانية التي شكا منها الحجاج.
فعلى الرغم من إقرار البيان بوجود مساحات ضيقة لا تتجاوز مترًا واحدًا للحاج الواحد في مشعر منى، إلا أنه حاول تحميل المسؤولية بالكامل للجهات السعودية، متجاهلاً أن بعثات الدول الأخرى، بما فيها دول ذات كثافة عالية في عدد الحجاج، نجحت في التفاوض أو تحسين أوضاع حجاجها، بينما ظل الحاج السوداني في ظروف توصف بـ”غير الإنسانية”.
“النقد البناء” و”حملات التشويه الإعلامي”، ثنائية كثيراً ما استخدمتها الجهات الحكومية السودانية لتمييع النقد الحقيقي وإسكات المخالفين
التغذية والهدي: أرقام رسمية لا تبرر الغبن الشعبي
من أبرز ما ورد في البيان، محاولة نفي التلاعب في ملف الهدي والتغذية، رغم أن شكاوى الحجاج خلال الأيام الماضية تضمنت توثيقًا بالفيديو والصور لحالات سوء تغذية ووجبات غير صالحة، إلى جانب احتجاجات على ارتفاع قيمة صك الهدي إلى 720 ريالاً سعودياً. وقد أشار المجلس إلى أن هذه القيمة موحدة من قبل مشروع الهدي السعودي الرسمي، لكن لم يوضح لماذا لم يتم إخطار الحجاج مسبقاً بتفاصيل التكلفة أو ضمان استرداد المبالغ الزائدة في حال عدم أداء النسك (كما في حالات الحجاج المفردين).
أما الحديث عن العقود الإلكترونية الشفافة فظل إنشائياً، دون نشر نماذج من العقود الموقعة أو الجهات المتعاقد معها، في ظل غياب رقابة برلمانية أو إعلامية مستقلة على هذه العمليات المالية التي تجري في بيئة تفتقر للشفافية.
فصل الانتقاد عن “العمالة الإعلامية”: خطاب إقصائي أم تمهيد لقمع؟
من اللافت في البيان محاولة المجلس التفريق بين “النقد البناء” و”حملات التشويه الإعلامي”، وهي ثنائية كثيراً ما استخدمتها الجهات الحكومية السودانية لتمييع النقد الحقيقي وإسكات المخالفين. فبدلاً من الالتزام العلني بمساءلة شفافة وردود موثقة على كل قضية تم نشرها، لجأ البيان إلى تخوين من أثاروا الأسئلة، دون تقديم أي تقارير موثوقة تفند بالأرقام الادعاءات المنتشرة.
كما أشار البيان إلى أن تقارير ختامية تُرفع لاحقاً “للجهاز التنفيذي”، دون توضيح ما إذا كانت هذه التقارير ستُنشر للرأي العام، أو تخضع لتقييم مستقل من لجان شعبية أو مراكز رقابة أهلية.
البيان التوضيحي للمجلس الأعلى للحج والعمرة لم يحمل جديداً سوى المزيد من التبريرات، دون إجراء مراجعة ذاتية حقيقية، أو تقديم أرقام مفصلة، أو كشف للعقود والموازنات، أو حتى الاعتراف بحد أدنى من التقصير.
وإذا كان المجلس يطالب بالتفريق بين النقد والتشويه، فإن واجبه الأول أن يبدأ بنشر معلومات دقيقة يمكن التحقق منها، وإتاحة المجال للرقابة المستقلة، والاعتراف بأن إدارة موسم الحج ليست فقط تنظيماً فنياً، بل اختبار لمدى نزاهة الجهات الرسمية واستعدادها لتحمّل المسؤولية أمام الله والشعب.