
الدوحة | برق السودان
في واقعة تثير الاستياء، تحولت إجراءات إدارية بسيطة في السفارة السودانية في قطر إلى مأساة إنسانية لعائلة سودانية رزقت بتوأم، لكن أحد الطفلين وُلد بحالة صحية حرجة جعلته يعتمد على أجهزة طبية للبقاء على قيد الحياة. ورغم أن والده استوفى الإجراءات الرسمية لاستخراج جواز سفر للرضيع، تعنّتت السفارة، رافضة إرسال موظفيها إلى المستشفى لإتمام الإجراءات، في تصرف غير إنساني أثار جدلاً واسعًا بين أفراد الجالية السودانية.
إجراءات متعنتة وغياب المرونة الإدارية
بدأت القصة عندما حاول الأب استخراج وثائق السفر لطفله، حيث تمكن بشق الأنفس من الحصول على الرقم الوطني بعد أن أرسل موظفًا من السفارة إلى المستشفى لتوثيق بصمة الرضيع. لكن بدلاً من استكمال الإجراءات، رفضت السفارة متابعة إصدار الجواز إلا إذا أحضر الأب الطفل بنفسه إلى مقرها، متجاهلة استحالة ذلك بسبب وضعه الصحي الحرج.
إجراء غير مسبوق من المستشفى حيث أرسلت أربع سيارات إسعاف وفريقًا طبيًا كاملًا إلى مقر السفارة
مع تصاعد الأزمة، خاطبت إدارة المستشفى السفارة رسميًا، موضحة أن الطفل لا يمكن نقله، وأن حالته الصحية تستدعي مراعاة خاصة. لكن السفارة تمسكت بموقفها، متعللة بعدم توفر الإمكانيات لإرسال موظفين مجددًا، مما دفع المستشفى لاتخاذ إجراء غير مسبوق؛ حيث أرسلت أربع سيارات إسعاف وفريقًا طبيًا كاملًا إلى مقر السفارة، حاملين الطفل موصولًا بأجهزته الطبية لإتمام إجراء إداري كان يمكن حله ببساطة لو أن السفارة تعاملت بمرونة وإنسانية.

ازدواجية في التعامل وإهمال يضر بسمعة السودان
الأمر الذي زاد من الاستياء أن سفارة باكستان في قطر واجهت حالة مشابهة، لكنها تعاملت معها بشكل مختلف تمامًا. أرسلت السفارة الباكستانية ممثلين عنها إلى المستشفى لإنجاز كافة الإجراءات هناك، حرصًا على راحة الرضيع واحترامًا لحقوق الأسرة.
في المقابل، تصرّف المسؤولون في السفارة السودانية بتعنت غريب، مما يطرح تساؤلات حول سبب هذا الجمود الإداري، وهل يعكس مشكلة شخصية بين أحد المسؤولين ووالد الطفل، أم أنه جزء من نهج عام تتبعه السفارات السودانية مع مواطنيها؟
الموظفون العاملون في قسم الجوازات بالسفارة اعتذروا لاحقًا للعائلة بعدما شاهدوا الطفل على أجهزة التنفس الصناعي، مؤكدين أنهم “لم يكونوا على علم بحجم المشكلة”. لكن هذا الاعتذار لم يغير شيئًا من الضرر النفسي والمعنوي الذي تعرضت له الأسرة.

غياب المساءلة والتساؤلات حول دور وزارة الخارجية
الحادثة تسلط الضوء على إشكالية أوسع تتعلق بغياب المساءلة داخل المؤسسات الدبلوماسية السودانية، حيث تتكرر شكاوى المغتربين حول سوء المعاملة، وطول الإجراءات، وغياب أي رقابة على أداء السفارات.
يبقى السؤال الأهم: لماذا لم يتدخل السفير أو القنصل لحل هذه الأزمة؟ ولماذا لم تحرص السفارة على الحفاظ على سمعة السودان من خلال تقديم خدمات إنسانية على غرار ما قامت به السفارة الباكستانية؟
ردود فعل غاضبة ودعوات للإصلاح
أثارت الواقعة استنكارًا واسعًا داخل الجالية السودانية في قطر، حيث عبر العديد من المواطنين عن غضبهم من التجاهل الذي يواجهونه عند تعاملهم مع السفارة. كما طالبوا وزارة الخارجية السودانية بالتحقيق في الأمر ومحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال، وإعادة النظر في سياسات التعامل مع المواطنين في الخارج.
في النهاية، ما حدث لهذا الرضيع وعائلته ليس مجرد حادثة فردية، بل يعكس مشكلة أعمق في أداء السفارات السودانية، التي تحتاج إلى إصلاح جذري يضع مصلحة المواطن في قلب سياساتها، بدلًا من تعريضه للذل والمعاناة حتى في أبسط حقوقه.