«بيس».. «شلوم»..«سلام»
مقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي في صحيفة «وول ستريت جورنال»
✍ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان
قبل أسبوعين، هبطت طائرة الخطوط الجوية «العال» في أبوظبي في أول رحلة تجارية إسرائيلية قادمة من تل أبيب، حيث أقلت وفداً كبيراً من المسؤولين ووسائل الإعلام الإسرائيلية.
وحملت الطائرة رسالة كبيرة واضحة؛ مكتوبة بأحرف يبلغ ارتفاعها قدمين على مقصورة قيادة الطائرة، هي «سلام» باللغات العربية والإنجليزية والعبرية.
تعد معاهدة السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل بمثابة اختراق دبلوماسي تاريخي، وعلامة مفعمة بالأمل على أن التقدم في الشرق الأوسط أمر ممكن الحدوث.
وفي الأسبوع الماضي جاء إعلان مملكة البحرين عزمها القيام بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، الأمر الذي يُنظر إليه كفرصة لمقاربة جديدة لمواجهة تحديات المنطقة؛ وفي منطقة وعصر حافلين بالأخبار السيئة، يُمثل ذلك الإعلان بادرة تفاؤل لإيجاد الفرص بدلاً من الصراع والانهزامية.
ومن البديهي أن التغلب على التحديات سيكون صعباً، حيث يوجد عدد من الدول غير العربية والأطراف غير الحكومية في محور «المقاومة» الدائمة، الذين يدافعون عن التطرف بأشكاله المتنوعة، وهم يشعرون بالحنين إلى الإمبراطوريات المفقودة، أو مهووسون بإنشاء خلافة جديدة، كما أنهم يقتاتون ويزدهرون على الصراع والفوضى وعدم الاستقرار.
وهم الذين يهاجمون الولايات المتحدة وإسرائيل ودولة الإمارات، وكانوا من أشد منتقدي السلام مع إسرائيل.
يُعدّ توقيع اتفاق السلام هذا الأسبوع أفضل رد على هؤلاء، وهو تذكير بأن الإماراتيين والإسرائيليين، وجميع شعوب الشرق الأوسط، قد سئموا الصراع، والأولوية الآن تكمن في مواصلة تحديث مجتمعاتنا وتحقيق الاستقرار في المنطقة بأكملها.
وسوف تساعد العلاقات الأفضل بين الدول العربية وإسرائيل على تحقيق ذلك، ولكن يجب أن نذهب أبعد وأسرع على جبهات التعاون الأخرى أيضاً.
تتمثل الأولوية الأولى، والأكثر إلحاحاً في تهدئة التوترات وبدء حوار إقليمي حول السلام والأمن، فنحن بحاجة إلى علاقات طبيعية مع الجيران، وتُعدّ معاهدات عدم الانتشار، ومعاهدات عدم التدخل الفاعلة والقابلة للتحقق، هي الهدف، ولكن مع التوقعات المنخفضة والمخاطر العالية جداً، فإن تحقيق تقدم متواضع في قضايا مثل المساعدات الإنسانية ومكافحة فيروس كورونا سوف يعمل على بناء الثقة.
كما أن دعم الولايات المتحدة ومشاركتها هو أمر بالغ الأهمية، فقد دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى محادثات جديدة العام المقبل، وأوضح نائب الرئيس السابق، جو بايدن، أنه سيطرح مبادرة جديدة كذلك؛ ولهذا يجب أن تشارك دول الخليج مباشرة في أي حوار، ويجب أن تكون الأجندة شاملة.
أما الأولوية الثانية، فتتمثل في توسيع مجتمع التعايش السلمي، فقد أدت المقاومة الدائمة والتطرف الطائفي إلى انتشار جائحة مميتة من الفوضى والفتنة على مدى عقود.
وفي دولة الإمارات نحاول أن نكون قدوة مختلفة؛ فنحن ملتزمون بمبادئ الإسلام الحقيقية وبالوسطية والاندماج والسلام، وقمنا باستضافة أول زيارة قام بها البابا فرنسيس لشبه الجزيرة العربية العام الماضي، كما نعمل على بناء بيت للعائلة الإبراهيمية الذي يضم الأديان الثلاثة في أبوظبي، حيث يحتوي المجمع على مسجد وكنيسة وكنيس.
وتتمثل الأولوية الثالثة، في بناء محرك قوي للتبادل الاقتصادي والثقافي قادر على توليد الفرص والتفاهم في جميع أنحاء المنطقة، فمن الخليج إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس، وصولاً إلى شرق البحر المتوسط، تعتبر شبه الجزيرة العربية الممتدة ملتقى طرق العالم.
ويجب على دولة ا لإمارات العربية المتحدة وإسرائيل استخدام اقتصاديهما المتقدمين وبنيتهما التحتية والأسواق الكبيرة وصناديق الاستثمار والمؤسسات التعليمية ورأس المال البشري لضمان أن تعود الفائدة على الأردنيين والمصريين والفلسطينيين وغيرهم.
يُعدّ التقدم في مسار القضية الفلسطينية نقطة مركزية أيضا، فقد أوقفت المعاهدة الإماراتية-الإسرائيلية خطط الضم، ويجب على القيادة الفلسطينية أن تستغل هذه اللحظة لإعادة تنظيم نهجها والاستعداد لإعادة الانخراط في مناقشات مثمرة. وكما هي الحال دائماً، ستحصل على الدعم الكامل من دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة أن هذه الجهود أصبحت تمتلك الآن وزناً أكبر في ظل العلاقات المباشرة مع إسرائيل.
إن وتيرة ونطاق معاهدة السلام لن يكونا مفصولين عن الاستحقاقات وتحقيق التقدم في قضية إقامة الدولة الفلسطينية.
أخيرا تدل معاهدة السلام على أهمية دور الولايات المتحدة الأميركية والتحول الذي يشهده الشرق الأوسط، فالسلام يمكن أن يحدث فقط من خلال تأثير الدبلوماسية الأميركية وإعادة تأكيد التزاماتها الأمنية.
وفي الوقت نفسه، فإن السلام يعود بالمنفعة على الولايات المتحدة من خلال المشاركة في تحمّل عبء الاستقرار الإقليمي مع فريق أقوى من الشركاء الموثوق بهم والراغبين في تحقيق ذلك.
في عام صعب وفي منطقة صعبة، تشكل معاهدة السلام نقطة انطلاق مشرقة لمستقبل الشرق الأوسط، وقد انطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل نحو بداية نشطة للتعاون بشأن فيروس كورونا والتكنولوجيا والفضاء والطاقة والاستثمار والأمن الغذائي، وبدأ شباب الإمارات بتعلم اللغة العبرية.
وستبدأ الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة بقبول الطلاب الإسرائيليين، كما ستبدأ الرحلات المنتظمة بين البلدين في العام المقبل، وستحمل هذه الخطوات وغيرها من آلاف الخطوات الصغيرة والكبيرة الأخرى رسالة السلام باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية في جميع أنحاء المنطقة.