تبرؤ البرهان من الإسلاميين لا يقوض خطط فلول النظام السوداني السابق
الخرطوم | برق السودان
عودة ما يقرب من ألفي شخص في كافة المؤسسات الحكومية والقضائية والمحلية ممن اتخذت لجنة إزالة التفكيك قرارات بحقهم العام الماضي.
العرب اللندنية – منحت التحذيرات التي أطلقها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان لحزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقًا) وعناصر الحركة الإسلامية من “التخفي وراء الجيش” فرصة مواتية لإعادة الحديث عن إحياء لجنة إزالة تمكين نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير بعد أن شهدت البلاد عودة تدريجية للكثير من فلوله للهياكل الإدارية وإلغاء المئات من القرارات الصادرة عن اللجنة.
وتعرضت لجنة إزالة التمكين للحل تزامنًا مع انقلاب الجيش على السلطة المدنية منذ حوالي عام واعتقلت السلطات عددا من أعضائها وأفرجت عنهم لاحقا، وشكلت لجنة لمراجعة قراراتها ثم اتخذت مواقفا برأت به الكثيرين ممن طالتهم قرارات إزالة التمكين.
وقال نائب رئيس لجنة إزالة التمكين السابق محمد الفكي سليمان، على هامش مشاركته في إحدى الفعاليات التي نظمتها قوى الحرية والتغيير، الأحد، إن الإسلاميين استباحوا البلاد منذ الانقلاب على السلطة لعدم وجود لجنة إزالة التمكين، و”الفترة المقبلة لا بد أن تشهد عودتها مجدداً، وليس هناك رجعة عن تحقيق هذا الهدف”.
وأضاف “سوف نُعيد العسكر إلى الثكنات، وسنفكك النظام السابق، مع ضرورة محاسبة الإسلاميين على الجرائم التي ارتكبوها أو تورطوا فيها”.
وجاءت تصريحات الفكي بعد احتقان تسبب فيه صدور حكمين قضائيين أبطلا قرارات سابقة للجنة إزالة التمكين مؤخرا، حيث أعلنت المحكمة العليا إلغاء قرار “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة” وتم بموجبه حل الاتحاد النقابي، ثم صدر حكم آخر بحل اللجنة التسييرية التي تم تشكيلها لقيادة نقابة المحامين من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير.
ويعني قرار عودة اتحاد نقابات عمال السودان المحسوب على نظام البشير حل 80 في المئة من النقابات التي تم تشكيلها خلال الفترة الانتقالية، والبقية الخاضعة لقانون خاص كنقابتي المحامين والصحافيين فتم إصدار قرارات قضائية ضدها بشكل فردي.
وتعرضت نقابة المحامين إلى هجوم من قبل أنصار النظام السابق وحدثت اشتباكات مع أنصار قوى الحرية والتغيير قبل أن تتدخل الشرطة وتفرض حظرا على المقر.
وقلل القيادي في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي نورالدين بابكر من إمكانية عودة لجنة إزالة التمكين قريبا، لأن الهدف الرئيسي هو إنهاء الانقلاب أولاً عبر وسائل محددة تتمثل في العمل الجماهيري والوصول إلى حل سياسي ودفع المجتمع الدولي للضغط على المكون العسكري.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن إزالة تمكين نظام البشير ضمن أهداف إنهاء الانقلاب، لكن لم يتم التطرق إلى الأداة التي يمكن الارتكان إليها لتحقيق ذلك، كما أن الواقع يشير إلى أنه جرى التراجع عن الكثير من قرارات اللجنة وعودة المنسوبين للنظام السابق والاتحادات والنقابات إلى الوضع القديم، ما يعني أن أجندة فلول البشير تتماشى مع أهداف الجيش، ما يجعلهم يطمحون إلى العودة إلى السلطة مرة أخرى.
وأصدر قاضي المحكمة العليا في السودان قبل أيام حكمًا بإلغاء القرار الصادر من لجنة إزالة التمكين بحق إنهاء عمل 10 من العاملين بمجمع الفقه الإسلامي، ووجّه بإعادة المفصولين إلى العمل.
ومجمع الفقه أحد رواسب النظام البائد للبشير ومن أهم واجهاته الدينية، ويعد من الأركان الرئيسية الداعمة لرؤى النظام الذي حكم البلاد متدثراً بشعارات دينية.
ورصد حقوقيون في السودان عودة ما يقرب من ألفي شخص في كافة المؤسسات الحكومية والقضائية والمحلية ممن اتخذت لجنة إزالة التفكيك قرارات بحقهم العام الماضي، وجاءت العودة عبر أحكام قضائية ولجنة مراجعة القرارات الصادرة عن إزالة التمكين التي تم حلّها، كذلك الوضع بالنسبة إلى العديد من أصول تمت مصادرتها.
وشكك مراقبون في عودة عمل اللجنة حال الوصول إلى تسوية سياسية، لأن تركيبتها السابقة لم تكن محل توافق بين القوى الثورية وواجهت انتقادات من أطراف داخل تحالف الحرية والتغيير.
وعلاوة على أن استئصال الإسلاميين من المواقع الحكومية أمر ليس سهلا مثلما الوضع في الحالة السابقة التي تلت مباشرة الإطاحة بنظام البشير قبل تراجع الحالة الثورية.
ولدى الحركة الإسلامية الآن ظهير في السلطة يدعم حضورهم في الشارع وإن تبرأ البرهان منهم صراحة، حيث يشكلون طرفًا يستفيد منه الجيش، ما يبرهن على عدم الاتفاق حول رؤية واحدة للمستقبل السياسي، ووجودهم في المشهد دون السماح لهم بالعمل السياسي مباشرة يخلق توازنا مع ضعف قوى دعمت الانقلاب على السلطة.
وأكد المحلل السياسي عمار عوض أنه في حال حدوث اتفاق سياسي من الممكن معالجة الكثير من القضايا التي كانت ضمن اختصاصات لجنة إزالة التمكين لمواجهة متطلبات المرحلة الجديدة، مستبعدا عودتها بنفس الهيئة والشكل القديمين، ومن قام بإدارة عمل اللجنة سابقا قد لا يكون صالحًا لاحقا، فهناك إجراءات في حاجة إلى المراجعة.
وأوضح عوض في تصريح لـ”العرب” أنه من الأفضل العمل على بناء مفوضية مكافحة الفساد ذات صبغة قانونية خالصة لمراجعة وضبط أي فساد مالي أو إداري بما في ذلك التعيين في الوظائف الحكومية خلال الفترة الماضية، مهمتها مراجعة القرارات الصادرة في فترة حكم قوى الحرية والتغيير التي استمرت نحو عامين، وكذلك العام الماضي الذي أعقب قرارات أكتوبر إلى حين التوقيع على ميثاق المفوضية.
وذكر أن لجنة إزالة التمكين وقعت في خطأ التسييس بعد أن ضمت عددا من السياسيين، في حين أن أيّ هيئات أو مفوضيات مستقبلية في حاجة إلى قانونيين من جميع درجات التقاضي، هدفهم تحقيق العدالة الناجزة.