تقرير | برق السودان
شهدت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تطوراً لافتاً مع ظهور تقارير تشير إلى تقديم تركيا دعماً عسكرياً ملموساً للجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان. يتركز هذا الدعم حول تزويد الجيش بطائرات «بيرقدار» المسيرة، التي أثبتت كفاءتها في صراعات إقليمية أخرى.
وفقاً لمصادر عسكرية سودانية، استجابت أنقرة لطلبات البرهان، بتزويد الجيش بطائرات مسيرة قادرة على تغيير موازين المعارك. هذه الطائرات تهدف إلى تمكين الجيش من فرض سيطرته على مناطق النزاع وإضعاف قوات الدعم السريع. وقد تسلم الجيش السوداني بالفعل دفعات من طائرات «بيرقدار» التي ظهرت في الميدان، مما يؤكد دخولها الخدمة العسكرية.
تكرار السيناريو الليبي: احتمالات وتحديات
مع تصاعد الدور التركي في السودان، تثار المخاوف من تكرار سيناريو التدخل التركي في ليبيا، حيث لعبت أنقرة دوراً حاسماً في دعم حكومة الوفاق الوطني عسكرياً. ورغم التشابه في أدوات التدخل، مثل الطائرات المسيرة والدعم اللوجستي، فإن الوضع السوداني أكثر تعقيداً بسبب طبيعة الصراع وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين.
أوجه التشابه مع ليبيا:
– تركيا دعمت في ليبيا جهة واحدة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهو ما تسعى لتكراره في السودان عبر دعم الجيش بقيادة البرهان.
– استخدام الطائرات المسيرة كأداة رئيسية لتغيير موازين القوى.
أوجه الاختلاف:
– السودان يتميز بتعدد الأطراف الإقليمية المتداخلة، مما يجعل التدخل التركي محفوفاً بالمخاطر.
– الوضع الجيوسياسي في السودان يختلف من حيث التركيز على منطقة البحر الأحمر وموانئه الاستراتيجية.
الأهداف الاستراتيجية لتركيا: الاقتصاد والسياسة والأمن
لا يقتصر الاهتمام التركي بالسودان على دعم عسكري محدود؛ بل يعكس هذا التحرك رغبة أنقرة في تحقيق مجموعة من الأهداف بعيدة المدى:
1. أهداف اقتصادية:
تركيا تسعى لتعزيز وجودها في البحر الأحمر والاستفادة من الموارد الطبيعية في السودان. ميناء عثمان دقنة يُعد محورياً في هذه الاستراتيجية، حيث يمكن لأنقرة تأمين مصالحها الاقتصادية عبر مشاريع البنية التحتية والتجارة.
2. أهداف سياسية:
تسعى أنقرة إلى دعم القوى السياسية المرتبطة بالإخوان المسلمين لاستعادة نفوذها في السودان. هذه الخطوة تتماشى مع السياسة التركية الإقليمية التي تعتمد على توسيع قاعدة الحركات الإسلامية الحليفة.
3. أهداف أمنية وعسكرية:
تركيا تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة البحر الأحمر، مما يوفر لها منصة استراتيجية لتوسيع نفوذها في شرق إفريقيا وتحقيق توازن أمام القوى الإقليمية الأخرى.
تحديات التدخل التركي وموقف المجتمع الدولي
رغم الدعم العسكري التركي للجيش السوداني، يواجه هذا التحرك عدة تحديات:
التكلفة الاقتصادية: تكلفة طائرات بيرقدار عالية، وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية تمويل الجيش السوداني لها في ظل الأزمة الاقتصادية.
ردود الفعل الإقليمية: دول إقليمية قد ترى في التدخل التركي تهديداً مباشراً لمصالحها، مما يزيد من احتمالات تصعيد الصراع.
الموقف الدولي: المجتمع الدولي يركز على تحقيق الاستقرار في السودان، وقد يعتبر الدعم العسكري التركي عقبة أمام جهود السلام.
هل تنوي تركيا التدخل المباشر؟
رجّح محللون أن تركيا قد تفكر في التدخل المباشر إذا استدعت مصالحها ذلك، خاصة مع تصاعد أهمية البحر الأحمر كموقع استراتيجي. ومع ذلك، تبدو الظروف الحالية أقل تهيئة لتدخل عسكري واسع النطاق، نظراً لتعقيد الصراع وكثافة التنافس الإقليمي.
الدور التركي في السودان يتجاوز الدعم العسكري ليشمل أبعاداً اقتصادية وسياسية وأمنية. ورغم أن السيناريو الليبي قد لا يتكرر بحذافيره، فإن التدخل التركي يحمل مؤشرات على تصعيد إقليمي جديد في منطقة البحر الأحمر، مما يجعل السودان ساحة لصراع جيوسياسي مفتوح.