الخرطوم | برق السودان
مما لا شك فيه أن التعليم يلعب دوراً فعالاً في زيادة رفاهية المجتمع، فتطوير معارف الفرد وتنميته أكاديمياً له مردود إيجابي على مجمل التنمية البشرية للأفراد سواء كانوا ذكراناً أو إناثاً، وتعليم المرأة على وجه الخصوص يعمل على تغيير المجتمع تغييراً كلياً وهذا هو الواقع الحادث الآن في السودان، فقد تبوأت المرأة المتعلمة مكانة عالية، مكنتها من وضع بصمتها على كثير من تفاصيل الحياة في السودان على الصعيد المعرفي والثقافي والاجتماعي واستطاعت تغيير تفكير المجتمع ونظرته للمرأة المتعلمة.
الفرق واضح
وعلى الصعيد الاقتصادي استطاعت المرأة المتعلمة أن تؤدي واجبها وتتحمل المسؤولية وتقوم بسد الفجوة وتحسين الوضع الاقتصادي لأسرتها الكبيرة والصغيرة، فأصبح الفرق واضحاً بين المرأة المتعلمة والأُخريات اللائي لم ينلن حظهن من التعليم، كل ذلك كان له مردود إيجابي في تشجيع الأسر على إلحاق بناتهن في مراحل التعليم المختلفة، بعد أن أصبح تعليم المرأة ضرورة اقتنع أفراد المجتمع بجدواها.
مراحل عديدة
مرت نشأة تعليم المرأة في السودان بمراحل عديدة، حيث اقتصر التعليم في البداية على تعلُّمِ القراءة والكتابة فقط، لكن في عام 1907 قام الشيخ بابكر بدري بوضع أول حجر أساس في مرحلة تعليم المرأة وهو ناشط اجتماعي له الفضل في وضع أسس تعليم المرأة في السودان، بدأ فكرته بإنشاء مدرسة صغيرة من أجل بناته برفاعة، ثم انتقلت للعاصمة وأصبحت أساساً لجامعة الأحفاد للبنات وسمي «رائد تعليم المرأة في السودان ولمدة 31 عاماً كان التعليم الأولي للبنات في السودان هو الطريقة الوحيدة لهن في الدراسة والحصول على مؤهل أكاديمي، بعد ذلك جاء الاهتمام وتم الانتقال للتعليم العالي، لتصبح هناك فرصة جديدة للبنات في السودان تمكنهن من الالتحاق بكلية المعلمات في أم درمان، وقد تمكنت الكثيرات من النساء تجاوز الصعوبات ليصبحن من النساء الرائدات في المجتمع، ففي العام 1946 كانت نفيسة المليك أصغر فتاة تعمل في التعليم وعمرها لم يتجاوز 14 عاماً، وكانت عضواً مؤسساً لاتحاد المعلمين، ومن ثم ترأسته في العام 1950.
أول روائية
وكانت ملكة الدار عبد الله، أول روائية سودانية وتخرجت في عام 1934م من كلية تدريب المعلمات، وفي العام 1968حصلت على الجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها إذاعة ركن السودان في القاهرة بروايتها (متى تعودين)، كما كانت مدينة عبد الله عبد القادر من الشخصيات اللائي برعن في النهوض بالحركة التعليمية بتأسيسها أول مدرسة ليلية تهتم بتعليم كبار السن، وفي عام 1958م كانت أول امرأة تحصل على معاش في الدولة.
كما تعتبر فاطمة أحمد إبراهيم واحدة من النساء الرائدات في المجتمع السوداني وأنشأت مجلة صوت المرأة في العام 1955، وكانت أول امرأة سودانية تحصل على عضوية الجهاز التشريعي، وأول سيدة تنتخب كعضو برلمان في الشرق الأوسط.
وتعد خالدة زاهر أول امرأة طبيبة في تاريخ السودان، التحقت بكلية كتشنر الطبية في العام 1946، ونالت الدراسات العليا في كل من المملكة المتحدة وسلوفاكيا، عملت كطبيبة وتدرجت في السلك الوظيفي حتى وصلت إلى درجة وكيل وزارة الصحة.
أول قاضية
وسطع اسم إحسان محمد فخري أول قاضية في السودان وفي أفريقيا حيث التحقت بكلية القانون بجامعة الخرطوم عام 1955، وعملت قاضية لمدة 30 عاماً وتدرجت في العمل القضائي من قاضٍ درجة ثانية وقاضٍ درجة أولى، ثم قاضٍ مديرية حتى وصلت محكمة الاستئناف، وعملت بهيئة الحسبة والمظالم لمدة خمس سنوات وهي أعلى سلطة.
النساء الرائدات
واستطاعت عفاف صفوت أن تجد موقعاً ضمن أوائل النساء الرائدات باعتبارها أول مذيعة سودانية تقرأ نشرة الأخبار الرئيسية عام 1962 في التلفزيون.
وتعتبر الأستاذة نعمات بلال أول امرأة تتولى رئاسة وكالة أنباء في العالمين العربي والأفريقي في العام 1999م حيث شغلت منصب مدير عام وكالة الأنباء السودانية (سونا)، وكانت أول امرأة تلتحق بالعمل كملحق إعلامي.
جدارة وقوة
وسارت على نهجها د. فكرية أبا يزيد، بتوليها منصب مدير عام وكالة الأنباء السودانية في العام 2021 باعتبارها ثانية قيادة نسائية تتولى هذا المنصب، لتثبت بذلك جدارة وقوة المرأة السودانية في مجال الإعلام.
وكانت فاطمة عبد المحمود مؤسسة أول حزب تقوده امرأة في السودان (حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي)، وكانت في العام 2010 شاركت في الانتخابات الرئاسية بالبلاد باعتبارها أول امرأة تترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وكانت مديرة كرسي اليونيسكو للمرأة في العلوم والتكنولوجيا، وفي العام 1975 حازت على ميدالية سيرز الذهبية للأمم المتحدة بوصفها من أميز ثلاث نساء في العالم.
تطورٌ ملحوظٌ
شهد مجال التعليم في السودان تطوراً ملحوظاً مما أسهم في ردم الفجوة بين الجنسين في فرص التعليم لمرحلتي الأساس والثانوي، بجانب تأسيس آليات وهياكل متخصصة لتعليم البنات على المستويين الرسمي والعام، إضافة إلى برامج تعليم المرأة الريفية في مناطق الرحل للحد من تسرب الفتيات من المدارس، وتم وضع استراتيجية لخفض التباين النوعي وزيادة نسبة تعليم البنات بالتركيز على الرحل والنازحين، وقد زادت نسبة القبول عند الرحل من 20% إلى 70% بإنشاء 720 مدرسة متنقلة وارتفع معدل القراءة والكتابة وسط النساء صغيرات السن عمر (15 – 24) سنة، من 45,2% إلى 59.5.
أحدث إحصائية
وتشير أحدث إحصائية لوزارة التربية والتعليم أن عدد الطالبات في التعليم قبل الجامعي بلغ 4845059 طالبة مصنفة إلى مجموعتين حسب نوعية تلقي التعليم، المجموعة الأولى هي مجموعة الطالبات في التعليم النظامي، وتحوي 4097483 طالبة، وتضم 542266 طالبة في مرحلة التعليم قبل المدرسي، و2971127 طالبة في مرحلة التعليم الأساسي، و560438 طالبة في التعليم الثانوي الأكاديمي، و7179 طالبة في التعليم الثانوي الفني، و795 طالبة في التعليم الثانوي الديني، و15678 طالبة تتلقى التعليم بأسلوب التربية الخاصة، والمجموعة الثانية هي مجموعة الطالبات في التعليم غير النظامي، وتحوي 747576 طالبة، وتضم 94783 طالبة في تعليم اليافعين، 652793 طالبة في تعليم الكبار.
مؤشرات إيجابية
ومن أهم المؤشرات الإيجابية في هذه الإحصائيات، ارتفاع نسبة القبول الظاهري للبنات إلى 76.1%، ووصلت نسبة الاستيعاب إلى 67,4% بوجود فجوة تمثل 0,7% من استيعاب البنين، ويلاحظ أيضاً في الآونة الأخيرة أن عدد الطالبات في التعليم الجامعي تفوق نسبة الطلبة، وأن نسبة نجاح الطالبات أعلى من نسبة نجاح الطلبة.
خمسة مجالات
ضمن جهود المجتمع في دعم تعليم البنات أُنشئت مراكز تنمية المجتمع، وهي مراكز تتبع للجامعات الحكومية في مختلف ولايات السودان وتستهدف جميع المستويات التعليمية والفِئات العمرية للمرأة، حيث يتم التدريب في خمسة مجالات وهي الثقافة الإسلامية، الغذاء والتغذية، صحة البيئة، الصحة العامة، الجماليات وتشمل “فنون التفصيل والخياطة وأعمال السيراميك.
تقدم وريادة
ما تعايشه المرأة السودانية الآن من تقدم وريادة وقيادة في شتى المجالات هو نتاج نضال عظيم انتصرت فيه إِرادتُها ورغبتُها الأكيدة بالرقي بنفسها والمضي قُدُماً، ورغماً عن الجهود التي بذلت في مجال تعليم المرأة إلا أن هنالك تحديات حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة، تتمثل في استمرارية مشكلة التسرب من المدارس بين الإناث ووجود فجوات تعليمية في المناطق الريفية ومناطق الرحل، إضافة إلى تدني المستوى المهاري والتقني لعناصرعملية التعلم واِرتفاع نسبة الأُمية الأبجدية والتقنية.
اقرأ ايضاً :