
تقرير خاص | برق السودان
يواجه السودان تحديات سياسية وأمنية متزايدة تهدد وحدته الجغرافية، حيث تصاعدت الدعوات للانفصال في إقليم دارفور وجبال النوبة، وسط استمرار الحرب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية. يأتي هذا في ظل تجربة انفصال جنوب السودان عام 2011، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تكرار السيناريو في مناطق أخرى.
أسباب تصاعد دعوات الانفصال
1. التهميش السياسي والاقتصادي
• تعاني دارفور وجبال النوبة من عقود من التهميش، حيث تركزت السلطة والثروة في العاصمة والمناطق الشمالية والوسطى، بينما تعاني الأطراف من ضعف التنمية والخدمات.
• السياسات المركزية الفاشلة ساهمت في خلق بيئة غير مستقرة دفعت بعض الفصائل إلى البحث عن بدائل، من بينها الاستقلال الذاتي.
2. الصراعات المسلحة والتدخلات الأجنبية
• الصراعات في دارفور وجبال النوبة مستمرة منذ عقود، حيث تواجه الحركات المسلحة الحكومة السودانية، التي استخدمت القوة العسكرية لقمع التمرد.
• التدخلات الخارجية، سواء عبر دعم الحركات المسلحة أو تسهيل المفاوضات، عززت النزعات الانفصالية وأعطتها شرعية دولية.
3. تراجع دور الدولة السودانية
• منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، أصبحت الدولة غير قادرة على فرض سيطرتها على جميع الأقاليم، مما أدى إلى فراغ أمني وسياسي استغلته الحركات المسلحة لتعزيز سيطرتها.
• ضعف الحكومة المركزية عزز فكرة أن الأقاليم قد تكون أفضل حالًا إذا أدارت شؤونها بنفسها.
4. الانقسامات العرقية والدينية
• دارفور وجبال النوبة يتميزان بتنوع عرقي وديني، حيث تختلف تركيبتهما عن بقية السودان، ما يجعلهما أكثر عرضة لمشاريع الانفصال القائمة على الهوية.
• الصراعات العرقية داخل دارفور نفسها قد تعيق إقامة دولة موحدة في حال انفصالها، مما قد يؤدي إلى نشوء دويلات صغيرة متناحرة.
5. دور المجتمع الدولي
• بعض القوى الدولية ترى أن تقسيم السودان إلى وحدات أصغر قد يسهل السيطرة عليه، خاصة في ظل صراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
• دعم بعض الدول للحركات المسلحة في دارفور وجبال النوبة يعزز من مطالب الانفصال، رغم عدم وضوح الدعم السياسي لانفصال هذه المناطق رسميًا.
السيناريوهات المحتملة
1. الانفصال التدريجي عبر الاستقلال الذاتي
• قد تبدأ دارفور وجبال النوبة بمطالبة حكم ذاتي موسع، كما حدث مع جنوب السودان قبل الانفصال، مما قد يؤدي إلى استفتاءات مستقبلية قد تنتهي بالانفصال.
2. التقسيم الفوضوي وانهيار الدولة
• استمرار الحرب الأهلية في السودان قد يؤدي إلى تقسيم غير منظم، حيث تنشأ سلطات محلية متنافسة تسيطر على مناطق مختلفة دون اعتراف دولي واضح، مما يزيد من عدم الاستقرار.
3. تسوية سياسية تمنع الانفصال
• من الممكن أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية تشمل تقاسم السلطة والثروة بطريقة عادلة، مما قد يقلل من دوافع الانفصال ويعزز الوحدة الوطنية.
4. تدخل إقليمي ودولي يغير المسار
• التدخلات الإقليمية والدولية قد تفرض حلولًا غير متوقعة، مثل إنشاء مناطق حكم ذاتي بوجود قوات حفظ سلام، مما قد يعيد ترتيب المشهد السياسي بشكل يمنع الانفصال الفوري.
التداعيات المحتملة
أمنيًا:
• قد يؤدي انفصال دارفور وجبال النوبة إلى صراعات جديدة بين الفصائل المسلحة داخل هذه المناطق حول السلطة.
• قد يتحول السودان إلى ساحة حرب إقليمية مع دخول أطراف خارجية لدعم فصائل متصارعة.
اقتصاديًا:
• خسارة السودان لموارده في دارفور وجبال النوبة، خاصة إذا كانت هذه المناطق غنية بالمعادن، مما يزيد من ضعف الدولة المركزية اقتصاديًا.
• انهيار البنية التحتية في المناطق المنفصلة قد يجعلها غير قادرة على إدارة نفسها اقتصاديًا دون دعم خارجي.
إقليميًا ودوليًا:
• قد يؤدي تقسيم السودان إلى تأثيرات في دول الجوار، حيث يمكن أن تشجع الأقليات في تشاد، وإثيوبيا، وجنوب السودان على المطالبة بالاستقلال.
• قد يزيد الضغط الدولي لمنع أي تقسيم جديد، خاصة بعد تجربة جنوب السودان، التي أثبتت أن الانفصال لم يؤدِ إلى الاستقرار.
السودان في مفترق طرق، حيث يمكن أن تؤدي الحرب والصراعات السياسية إلى تقسيم جديد، إلا أن ذلك لن يكون بالضرورة لصالح المناطق المنفصلة أو السودان المتبقي. يبقى الحل في تسوية سياسية شاملة تضمن التمثيل العادل للجميع، وإلا فإن السودان قد يدخل في دوامة تفكك أخطر مما حدث في 2011.