جريدة بريطانية :السودان نحو إلغاء الإعدام فماذا عن جرائم الحرب؟
الخرطوم | برق السودان
مفوضية حقوق الإنسان تشيد بالخطوة ومراقبون: “غير مؤثرة لانخفاض وتيرة تنفيذ الأحكام”
بعد موافقته في أوقات سابقة على الالتحاق باتفاقيتي القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، ومناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات أو العقوبات القاسية أو المهينة، يبدو أن السودان يحث الخطى أيضاً نحو إلغاء عقوبة الإعدام، على رغم الجدل والخلاف القانوني الذي قد ينشأ جراء إقدام الحكومة على مثل هذه الخطوة.
ترحيب مبكر
وجد إعلان التوجه الرسمي نحو إسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص، ترحيباً حاراً من المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، المؤسسة الرسمية المعنية بهذا الشأن، التي طالبت بالمضي قدماً في تجميد تنفيذ جميع أحكام الإعدام.
جاء الإعلان خلال زيارة تفقدية للمنتظرين والمحكومين بالإعدام بسجن “كوبر” القومي في الخرطوم بحري، أجراها نائب رئيس القضاء السوداني الأمين الطيب، الجمعة 20 يناير (كانون الثاني)، برفقة مدير قوات السجون السودانية الفريق شرطة ياسر عمر أبو زيد، ومستشار بمجلس السيادة.
ورحبت المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان بهذا التوجه، مؤكدة تشجعيها له بشدة، كونه يعزز احترام وحماية الدولة للحق في الحياة بوصفه أهم حقوق الإنسان.
وأكدت المفوضية، في بيان صحافي، على موقفها المبدئي في شأن عقوبة الإعدام انسجاماً مع المعايير الدولية، وطالبت الدولة باتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك تشجيع المصالحات بين أولياء الدم والمدانين بجرائم القتل العمد.
وقالت المفوضية إنها ظلت في حال متابعة وانشغال مستمر بالعقوبة والمحكومين بها، مؤكدة استمرار جهودها بمشاركة المجتمع المدني من أجل تعميق النقاش المجتمعي حول إلغاء الإعدام، ومن ثم تقديم توصيات في هذا الشأن لمتخذي القرار.
تجميد الإعدامات
على الصعيد نفسه، أوضح أحمد المفتي مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، لـ”اندبندنت عربية”، أن إلغاء عقوبة الإعدام من الناحية القانونية يعد موضوعاً خلافياً، على رغم أن المواثيق الدولية تحث عليه بموجب بروتوكول، لكنها جعلت ذلك البروتوكول اختيارياً، لذلك لم يوافق السودان عليه لأن الشريعة الإسلامية تجيز الإعدام قصاصاً.
المفتي اعتبر أن التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام إلا قصاصاً هو سير في الاتجاه الصحيح، فلكل دولة حق التصرف بحسب ما ترى، وعلى سبيل المثال هناك بعض الولايات في أميركا تطبق عقوبة الإعدام، وبعضها ألغاها بالفعل.
وأشار مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، إلى أنه منذ قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، سار السودان نحو توفيق أوضاعه في مجال حقوق الإنسان، فوافق على اتفاقية “سيداو” واتفاقية منع التعذيب.
على نحو ذي صلة، أوضح قاض بمحكمة الاستئنافات، فضل حجب اسمه، أن دساتير البلاد المتعاقبة ظلت تسمح لرئيس الجمهورية بإسقاط عقوبة الإعدام في قضايا الإعدام التعزيري فقط، وهي القضايا التي لا تنطوي على حق خاص، ويرتبط معظمها بالجرائم الموجهة ضد الدولة، مثل التخابر الأجنبي والاتجار بالمخدرات وغيرها.
وأعرب القاضي عن دهشته لظهور هذه الرغبة في وقت تتفشى ظاهرة الاتجار الواسع بالمخدرات وسط مختلف شرائح المجتمع السوداني، كما يتجه العالم كله إلى إعادة عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات على وجه الخصوص.
معدلات منخفضة
في ما يخص الإعدام في جرائم القصاص، أوضح قاضي الاستئنافات أنها ترتبط بموافقة أولياء الدم، كونهم الذين يحددون العفو، بالتالي إسقاط العقوبة من عدمه، لأن القصاص عقوبة شرعية بالأساس، ولا يحق حتى للرئيس الجمهورية التدخل لإسقاطها أو تأجيلها إلا في حال الضرورة القصوى، مثل تأجيل التنفيذ لإفساح المجال أمام مساع حميدة بين الأطراف، بخاصة في الجرائم ذات الطابع القبلي، ولاعتبارات يخشى فيها من أن يوسع تنفيذ الإعدام من دائرة العنف مثلاً.
ويردف “معظم قضايا الإعدام في السودان ترتبط بالقصاص، غير أن وتيرة تنفيذ الأحكام بطيئة ومنخفضة بدرجة واضحة، كما أنها تأخذ زمناً طويلاً بين النطق بالحكم والتنفيذ، حتى تستنفد كل مراحل التقاضي وصولاً إلى المحكمة الدستورية ورفع الأمر لعلم وإحاطة رئيس الجمهورية، من دون أن يكون له الحق في إسقاطها”.
من جانبه، أوضح المحامي الصادق علي حسن، رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، لـ”اندبندنت عربية”، أن غالبية جرائم القتل في السودان ترتبط بالحق الخاص، أي جرائم القصاص، سواء أكانت بين الأفراد أو الجماعات أو المجموعات القبلية، لأن الجرائم التي تحدد فيها المسؤولية الجنائية يكون فيها لأولياء الدم من دون غيرهم الحق في العفو، أو الصلح على مال، أو القصاص.
جرائم الحرب
حسن استبعد أن يؤثر إلغاء عقوبة الإعدام في قضايا وجرائم الحرب في دارفور، لأن جرائم القتل التي لا يتحدد مرتكبوها، مثل الجرائم الناتجة من الحروب والمنازعات القبلية، يسوى معظمها من طريق الأعراف القبلية في مجالس الصلح وعبر دفع الديات.
وفي شأن الترتيبات التشريعية والدستورية والإجراءات المطلوبة، أوضح حسن أنه “غالباً ما يلجأ المشرع الوطني لمواءمة القوانين المحلية مع القوانين والاتفاقات الدولية حتى يكون النظام القانوني الوطني مثالياً”.
وقلل رئيس أمناء محامي دافور من وجود تأثير كبير لهذا الإلغاء المتوقع، إذ إنه من خلال التجارب لم تطبق الأحكام التي تصدر بإعدام مرتكبي جرائم تقويض النظم الدستورية التي تكون قائمة في ظل الديمقراطيات، بينما في ظل الأنظمة الديكتاتورية تستخدم النظم العسكرية القضاء العسكري الموجه أو القضاء المدني المدجن لتفصيل أحكام وقرارات بحسب رغبة النظام الديكتاتوري القائم، وفي حالات كثيرة يعدم المستهدفون بالملاحقات الجنائية خارج نطاق المحاكم، ثم تشكل لاحقاً محاكم صورية للإيهام بأن إجراءات ومحاكمات حقيقية تمت مثلما كان يحدث في ظل النظام البائد.
استثناءات قانونية
نصت المادة 36 (2) من الدستور الانتقالي لسنة 2005 الذي عطلته الوثيقة الدستورية 2019 في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر 2018، على عدم جواز توقيع عقوبة الإعدام على من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أو من بلغ السبعين من عمره، وذلك في غير جرائم الحدود والقصاص.
وبموجب المادة 27 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المستمد من الشريعة الإسلامية، تعد عقوبة الإعدام قانونية، إذ تنص المادة على هذه العقوبة مع عقوبات بدنية أخرى مثل البتر وغيره، لكن على رغم ذلك يسجل السودان معدلات تنفيذ منخفضة بدرجة كبيرة لهذه العقوبة مقارنة مع بعض الدول الأخرى التي لا تزال تطبقها.
وكانت معظم الانتقادات التي توجه إلى السودان من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تركز على حماية الحق في الحياة، والحماية من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة.
وفي تقارير سابقة، وجه المقرر الخاص لحقوق الإنسان في السودان اتهامات حول ما وصفه بغياب الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة للمتهمين الذين يواجهون عقوبة الإعدام.
اقرأ ايضاً :