الأخبارتقارير

جريدة : تحركات مصرية لتشكيل تيار سياسي سوداني موالٍ

الخرطوم | برق السودان

كشفت مصادر سودانية عن اجتماعات جرت في العاصمة المصرية القاهرة في الفترة الأخيرة، برعاية أجهزة مصرية، حضرتها شخصيات مدنية وعسكرية سودانية، وشهدت نقاشات حول الخريطة السياسية للسودان في المرحلة المقبلة، وسط الغموض الذي يغلّف إمكانية الوصول إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة التي يعيشها السودان منذ أكثر من عام.

وتسعى القيادة السياسية المصرية، إلى تجاوز العقبات التي تحول دون القيام بدور فعّال في الأزمة السياسية السودانية. ويمثل السودان أهمية كبرى للقاهرة، كونه امتداداً للأمن القومي المصري من الجهة الجنوبية، وكذلك لحرص مصر على الحفاظ على موقف مصري سوداني موحد في مواجهة التعنت الإثيوبي في أزمة سدّ النهضة.

علاقات القاهرة مع السودان: لا نفوذ حاسماً

ولا تملك القاهرة سوى علاقات مع قطاع من المكون العسكري المتمثل في قيادة الجيش السوداني، إذ تدعم مصر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، والذي لا يتمتع بنفوذ حاسم في المشهد، إذ ينازعه نائبه قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، بالإضافة إلى قوى “الحرية والتغيير” والمجموعات السياسية التي تمتلك نفوذاً واسعاً في الشارع السوداني.

وخلال الفترة الماضية، سعت القاهرة إلى تغيير صورتها السلبية في الشارع السوداني، عبر دعوة عددٍ من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية إلى القاهرة والاجتماع معهم، في محاولة للعب دور أساسي في الأزمة السودانية، وكذلك مواجهة النفوذ الإثيوبي في الأوساط السياسية السودانية.

إلا أن جهود القاهرة لم تحقق نجاحاً، في ظلّ عدم تجاوب الشخصيات السياسية الفاعلة والبارزة من قوى “الحرية والتغيير”. وأمام صعوبة اختراق المكون المدني الفاعل على الأرض في الأزمة الحالية، بدأت السلطات المصرية في التفكير بشكل مختلف.

وفي هذا الإطار، علمت “العربي الجديد” أن اجتماعات عدة عُقدت في القاهرة منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بشأن التنسيق لتشكيل مكوّن سياسي مدني سوداني، يكون قادراً على التواجد المؤثر في الشارع السوداني، ويكون للقاهرة قدرة التأثير عليه، بما يمكّنها من التواجد ولعب الدور المأمول.

ويضاف ذلك إذا ما حصل، إلى دعم موقف البرهان، الذي سبق والتقى مرشد الطريقة الصوفية الختمية، زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، محمد عثمان الميرغني، في القاهرة، بشكل غير معلن، منذ نحو شهرين، وقالت مصادر سودانية إنه “عقد اتفاق سري بينهما كان عبارة عن صفقة سياسية”.

وبحسب مصادر سودانية في القاهرة، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السودانية، بانضمام شخصيات سياسية بارزة خلال الفترة الأخيرة إلى العملية السياسية، كانت نتاج تنسيق بين مسؤولين مصريين، وتلك الشخصيات، وعلى رأسها الميرغني، الذي عاد إلى الخرطوم يوم الإثنين الماضي.

ومن بين الشخصيات السودانية التي نسّقت معها القاهرة أيضاً، محمد طاهر أيلا، آخر رئيس وزراء للرئيس المخلوع عمر البشير قبل سقوطه، ووالي ولايتي البحر الأحمر والجزيرة قبل ذلك، وذلك بخلاف ترتيبات لدور رئيس جهاز الأمن السوداني السابق، المقيم في مصر، صلاح قوش.

وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قراراً بنقل الميرغني من القاهرة إلى السودان بطائرة خاصة، بعد غيابه 10 سنوات عن السودان، فيما علّقت قناة “القاهرة الإخبارية” على القرار الرئاسي، بالقول إن “عودة الميرغني إلى الخرطوم تشكل فتحاً لأفق جديد للتوافق السوداني”.

اجتماعات عدة عُقدت في القاهرة لتشكيل مكوّن سياسي مدني سوداني، يكون قادراً على التواجد المؤثر في الشارع

وتأتي عودة الميرغني إلى السودان، وسط استقطاب سياسي حاد يشهده الحزب الاتحادي الديمقراطي، حيث يؤيد تيار بقيادة نجله الأكبر محمد الحسن، مجموعة “الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، بينما يؤيد تيار ثانٍ بقيادة النجل الأصغر جعفر الصادق الميرغني، مجموعة “التوافق الوطني” المشاركة حالياً في السلطة مع العسكريين.

وفي سياق متصل، اتهم الحزب الشيوعي السوداني، في بيان أمس السبت، جهاز المخابرات المصرية بدعم تكوين تحالف الكتلة الديمقراطية بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركات الموقّعة على اتفاق السلام، وذلك بعد نحو أسبوع من الإعلان عن انتخاب جعفر الميرغني رئيساً للتحالف وجبريل إبراهيم نائباً للرئيس.

وقال الحزب في بيانه إن “التفريط بالسيادة الوطنية مستمر في ظل السلطة الانقلابية”، مستدلاً بمنح وزير المالية جبريل إبراهيم شركة مصرية حق التحصيل الإلكتروني بدون طرحها في مناقصة تنافسية. كما أشار إلى “منح مشروع الهواد الزراعي للإمارات، الذي تبلغ مساحته 2.4 مليون فدان، بدون شفافية، مما يؤكد الاستمرار في نهب الأراضي والموارد على حساب السكان المحليين العاملين بالزراعة التقليدية والرعي”، وفق بيانه.

ترتيبات إقليمية

من جهته، قال مسؤول سوداني في القاهرة، طلب عدم ذكر اسمه، إن “هناك ترتيبات لتسوية إقليمية محتملة تهدف إلى إعادة جزء من رموز حزب “المؤتمر الوطني” السوداني عبر التحالف بين الجيش ومزيج مدني آخر. ومن رموز “المؤتمر الوطني” الذين قد يكونون مشمولين بالتسوية، الذين يتمتعون خصوصاً بشعبية في أوساط عامة الناس، محمد طاهر إيلا، الذي حصد شعبية كبيرة أثناء ولايته للبحر الأحمر والجزيرة قبل أن يتم تنصيبه رئيساً للوزراء قبيل سقوط عمر البشير بشهر، بحسب المصدر.

وكانت مصادر سودانية في القاهرة قد كشفت، لـ”العربي الجديد”، في وقت سابق، أن لقاءً جرى في القاهرة أخيراً، ضم محمد طاهر إيلا، وصلاح قوش، وهما الرجلان اللذان تستضيفهما القاهرة منذ سقوط نظام البشير، ورفضت تسلميهما في أكثر من مناسبة.

وأوضحت المصادر السودانية أن اللقاء ضمّ إلى جانب قوش وإيلا، مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى معنياً بالملف السوداني. وقد جرى خلال اللقاء بحث مسارات التحرك المصري، سواءً على مستوى ملف أزمة سدّ النهضة ومواجهة “التعنت الإثيوبي”، أو على مستوى الأزمة السياسية في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى