الأخبار

جريدة لندنية : من يستفيد من تعكير الأجواء بين القاهرة والخرطوم؟

الخرطوم | برق السودان

تراكمات سياسية جعلت مصر إذا اقتربت أو ابتعدت متهمة في نظر البعض من السودانيين.

العلاقة الجيدة مع البرهان، هل تعني تدخلا؟
جهات سودانية تعمل ما في وسعها على أن تظل العلاقة مع مصر متوترة، وتحميل القاهرة مسؤولية مّا، ولو بشكل غامض وغير مقنع، في توتر الوضع بالسودان. وتجدد الأمر مع نشر صورة توحي وكأن قوات مصرية تنتشر في منطقة حدودية مباشرة بعد الاتفاق الذي رعته الرباعية، وكأن القاهرة ترفضه.

راجت خلال الأيام الماضية على مواقع سودانية صورة مغلوطة قال من نشروها إنها لقوات عسكرية مصرية عند سد مروي، بما يوحي بتكهنات سلبية كثيرة تتجاوز حدود المكان، بينها أن القاهرة تدعم قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حيث تزامن النشر مع توقيع اتفاق إطاري بين المكونين العسكري والمدني.

ولم يتمهل من نشروا أو يدقق من تابعوا الصخب الذي حدث حول الصورة ليتأكدوا أنها ليست في السودان، بل هي على الحدود الغربية المصرية وتعود لأكثر من عامين ضمن تدريبات تؤكد جاهزية القوات المسلحة لأيّ طوارئ على الحدود المصرية.

أخذت الصورة المزعومة اهتماما زائدا عن الحد، لأن الحديث عنها جاء في خضم مناورات مصرية – سودانية جديدة باسم “حارس الجنوب 2” بدأت في الرابع من ديسمبر الجاري، وجرى النفخ فيها بما يشير إلى أن مصر تمكنت من وضع قوات دائمة على الأراضي السودانية، وهي السردية التي يمكن أن تجرّ معها استنتاجات غامضة متفرقة، تؤدي إلى صب المزيد من الغضب على القاهرة.

هدف تسريب الصورة إلى تخريب العلاقات بين القاهرة والخرطوم التي وصلت إلى مستوى مرتفع من الهدوء، وفرملة التقارب الحاصل بين المكونين المدني والعسكري بعد التوقيع على اتفاق إطاري بحضور قوى إقليمية ودولية حريصة على نجاحه.

◙ هل فعلا يتجاهل الإعلام المصري الإشارة إلى قوات الدعم السريع وقائدها دقلو
ورمى أحد الصحافيين السودانيين بحجر آخر في التوقيت نفسه عندما أشار إلى أن الإعلام المصري يتجاهل الإشارة لقوات الدعم السريع وقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حمديتي)، وهو ما يفهم منه الشيء ونقيضه، فالتجاهل قد يكون إهمالا للرجل بعد روايات نشرت حول علاقته الجيدة بإثيوبيا وأنه بات رجلها في الخرطوم، وهو ما يزعج القاهرة، وقد يكون حبا فيه، لأن التجاهل في السودان أفضل من تسليط الضوء على شخص، إذ يمكن أن يثير الاهتمام أزمات لا حدود لها.

مهما كانت نوايا صاحب الإشارة إلى تجاهل مصر لحميدتي، حسنة أو سيئة، فهي تعني أيضا أن تركيز القاهرة ورهانها لا زال منصبا على البرهان بحكم أن قائد قوات الدعم السريع (نائبه في مجلس السيادة)، ويبدو في تقديرات البعض من السودانيين أنه خصمه اللدود الذي ينازعه الصراع على الحكم.

أصبح الزج باسم مصر في أحداث السودان أمرا عاديا، فإذا أبدت اهتماما بحل الأزمة السياسية في السودان اتهمت بالتدخل في شؤونه، وإذا ابتعدت جرى اختراع وقائع بما يعزز فكرة التدخل الممتدة في أذهان سودانيين لا يريدون التخلص من عقدة تاريخية تعتقد أن “مصر سبب كل مصائب أهل السودان” منذ زمن الاحتلال البريطاني الذي كانت فيه أيادي مصر مكبلة لأنها أيضا كانت أسيرة له وليست شريكة معه.

اللافت أن فكرة تحميل مصر مشاكل السودان أو جزء منها تطفو على السطح من وقت إلى آخر، لأنها مريحة وتعفي النخبة والسودانيين، شيوخا وشبابا، أحزابا وجيشا، قوى قديمة وحديثة، من تحمل مسؤولية النكبات المستمرة التي يمر بها بلدهم.

الواقع أن الإعلام المصري لا يبدي اهتماما كبيرا بحمديتي أو غيره، ليس لأن مصر حافلة بالأزمات وهي أولى بالتركيز عليها، لكن لأن المسؤولين في القاهرة يعلمون جيدا الحساسية المفرطة التي يتعامل بها قطاع من السودانيين مع ما ينشر أو يذاع عنهم، وهناك ما يشبه التوجيهات الضمنية للإعلام الرسمي بالابتعاد عن قضايا السودان الشائكة إلا في حدود ضيقة خوفا من سوء الفهم والتفتيش في النوايا.

بقدر ما يفسر هذا الاستنتاج غياب السودان في الإعلام المصري يصلح ليكون تبريرا لمن تحدث عن غياب حميدتي، والذي لا يحمل بالضرورة موقفا سلبيا منه، فهي طبيعة باتت سائدة لأن ما ينشر أو يذاع يتم التعامل معه في السودان كأنه يمثل موقف الدولة.

وعلى الرغم من الانفتاح المصري، الرسمي والشعبي، على القوى المدنية في السودان ومحاولة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، غير أن الفكرة الثابتة حول التعاون بين المؤسستين العسكريتين في البلدين وارتياح النظام الحاكم في القاهرة للتعامل مع مجلس السيادة بصيغته العسكرية الراهنة لم تبرح خيال شريحة كبيرة من النخب السودانية، جعلتهم يصرّون على أن مصر ترتاح للقادة المنحدرين من أصول عسكرية ويشككون في التوجهات الإيجابية نحو القوى المدنية.

ويرون أيضا أن كل توازن تسعى إليه القاهرة بطرق مختلفة لتعزيز علاقاتها مع الخرطوم هو من قبيل الدعاية السياسية ولا يدخل في عمق المصالح المشتركة.

◙ فكرة تحميل مصر مشاكل السودان أو جزء منها تطفو على السطح من وقت إلى آخر، لأنها مريحة وتعفي النخبة والسودانيين من تحمل مسؤولية النكبات المستمرة التي يمر بها بلدهم

يغمض هؤلاء عيونهم عن حجم المعاناة التي تكبدتها مصر من وراء حكم الرئيس السابق عمر البشير العسكري – الإسلامي، وينكرون في تقييمهم للحالة المصرية أن هناك أجنحة تابعة للبشير أو ما يعرف بـ”الفلول” لا تزال نشطة في الجيش السوداني، ويحذرون من احتمال قيامهم بانقلاب قد يعيدهم إلى واجهة السلطة.

لم تنخرط مصر في الآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات التي حققت تقدما في حلحلة الأزمة السودانية بالتوقيع على الاتفاق الإطاري مؤخرا، وتكاد تكون غائبة عن جميع الأطر الإقليمية والدولية وما تقوم به من تحركات للتسوية، مع ذلك تلاحقها اتهامات بأنها لا تريد حكما مستقرا في السودان.

يظل السؤال المحوري، من يستفيد دائما من تعكير الأجواء بين مصر والسودان، ومن يعمل على اختلاق الأزمات باستمرار كلما بدت العلاقات هادئة بين الجانبين؟

يمكن القول إن هناك جهة رئيسية لا تريد أن تصفو العلاقات بين البلدين، نجحت خلال السنوات الماضية في زيادة الحساسيات، وتعمدت تصوير كل تحرك مصري على أنه لا يصب في صالح السودان.

تضم هذه الجهة تحت جناحيها طيفا واسعا من القوى المدنية والسياسية، في مقدمتها جماعة الإخوان وحزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي والحركة الإسلامية بفروعها وروافدها المتباينة. وهم أول من يريدون أن يظل التفكك مخيما فوق سماء السودان، ويعملون على إيجاد خصم خارجي مثل مصر من السهل أن توجه السهام إليه كي يتفرغوا للمزيد من التوغل في الحياة السياسية.

من حق السودان أن يختار النظام الذي يناسبه، لكن من المؤكد أن تسلل هؤلاء إلى السلطة ليس في صالح مصر، والتي تواجه تحديات صعبة على حدودها الجنوبية، ولم تجد حلا نهائيا لأزمة سد النهضة الإثيوبي الذي أسهم نظام البشير في الترويج لرواية أنه يحمل الخير الكثير للسودان، ومكنه ذلك من الدخول في أطر تعاونية مع أديس أبابا أقنعت سودانيين بأن القاهرة تقف ضد تطوير مصالح بلدهم مع إثيوبيا.

اقرأ ايضاً :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى