
برق السودان | تحقيق استقصائي
في عمق الصراع المسلح الذي ينهك السودان منذ أبريل 2023، تتوارى جبهات أكثر تعقيدًا من مجرد مواجهة عسكرية. فمن خلف شاشات الكمبيوتر وتطبيقات التواصل الاجتماعي، تنشط شبكة إعلامية غامضة تقودها عناصر موالية للنظام البائد، تتخذ من القاهرة مقراً، وتحمل اسمًا صاخبًا: “المكتب الإعلامي المساند لمعركة الكرامة”. ورغم واجهتها التي تزعم دعم الجيش السوداني، فإن ما يدور داخلها يكشف عن أجندة أعمق وأكثر خطورة: إعادة الإسلاميين إلى الحكم من بوابة الحرب والإعلام.
شبكة إعلامية غامضة تقودها عناصر موالية للنظام البائد، تتخذ من القاهرة مقراً
غرفة إعلامية تقودها أسماء مدانة ومحسوبة على النظام البائد
تأسست غرفة “معركة الكرامة” في القاهرة خلال أكتوبر 2023، أي بعد شهور قليلة من اندلاع الحرب في السودان، برعاية وتنسيق مباشر من أحمد هارون، أحد أبرز قادة النظام البائد والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
يقود هذه الشبكة عبدالماجد عبدالحميد، صحفي محسوب على تيار الإسلاميين، عرف بترويجه المستمر لرواية الجيش وشيطنة خصومه، إلى جانب أسماء أخرى مثل أسامة عبدالماجد، داليا إلياس، وفاطمة الصادق – جميعهم عرفوا بمواقفهم المؤيدة للحركة الإسلامية السودانية وللنظام السابق.
الغرفة لا تقتصر على إنتاج الأخبار أو كتابة التقارير، بل تدير حملات تضليل إعلامية ممنهجة، تستهدف بها الأصوات المعارضة داخل الجيش قبل خارجه، وتروج لمفاهيم “الخيانة” و”الارتزاق” ضد كل من يشكك في جدوى استمرار الحرب أو يعارض سلطة الإسلاميين.
استراتيجية إعلامية لإقصاء العسكريين المعارضين ومهاجمة المجتمع المدني
ما يميز هذه الشبكة أنها لا تعمل كمنصة إعلامية تقليدية، بل كغرفة عمليات لها أهداف استخباراتية وسياسية. بحسب مصادر موثوقة لـ”برق السودان”، تعمل هذه المنظومة بتنسيق مباشر مع قيادات عسكرية نافذة مثل ياسر العطا، وجبريل إبراهيم، الذين يرون في استمرار الحرب فرصة لإعادة هندسة المشهد العسكري والسياسي على مقاس الإسلاميين.
من خلال عشرات الصفحات الوهمية والمجموعات المغلقة، تمارس الشبكة تصفيات إعلامية تستهدف شخصيات عسكرية لا تتماشى مع المشروع الإسلامي، وتسعى لتصوير أي مبادرة سلام أو دعوة لوقف الحرب على أنها خيانة وطنية. كما تنسق الشبكة حملاتها مع أذرع إعلامية خارجية، وتعمل على شيطنة المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، بحجة ارتباطها بـ”العملاء” أو “الخونة”.
إعلام الظل.. رأس الحربة في معركة استعادة السلطة
بات الإعلام، بفضل هذه الشبكة، السلاح الأخطر بيد الإسلاميين. فبينما تنهار مؤسسات الدولة، تصعد هذه المنظومة بوصفها الناطق غير الرسمي باسم معسكر الحرب. لا تتحدث عن الضحايا المدنيين، ولا عن الكوارث الإنسانية، بل تسوق رواية أحادية تشرعن العنف وتمهد للعودة السلطوية.
ورغم أن الغرفة تتستر خلف شعارات مثل “معركة الكرامة” و”الدفاع عن الوطن”، إلا أن هدفها الحقيقي لا يكمن في النصر العسكري، بل في ترميم نفوذ الحركة الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية والدولة، بعد أن فقدتهما عقب ثورة ديسمبر 2018.
إن ما تقوم به غرفة “معركة الكرامة” ليس مجرد تحريض إعلامي، بل جزء من مشروع سياسي متكامل لإعادة هندسة السلطة في السودان بوسائل الحرب والدعاية. ويشكل هذا التهديد أحد أخطر أوجه الصراع الحالي، لأنه يسعى لشرعنة استبداد جديد باسم الوطنية، وإعادة تدوير الإسلاميين في ثوب جديد، على حساب دماء السودانيين ومستقبلهم.