الأخبارتقارير

فضيحة صفقة «ديب ميتالز».. أثرياء الحرب الجدد.. نهب موارد السودان تحت غطاء الاستثمار

كيف لشركة حديثة العهد بلا تاريخ استثماري أن تُبرم صفقة بهذا الحجم؟

الخرطوم | برق السودان 

شركة غامضة وصفقة القرن

برز اسم شركة “ديب ميتالز” المصرية فجأة كطرف رئيسي في صفقة وُصفت بـ”صفقة القرن”، عقب توقيع وزير المعادن السوداني نور الدائم طه اتفاقية استثمارية معها بقيمة تقارب ربع مليار دولار، تتضمن الاستحواذ على (85%) من منجم أركيديا الذهبي وامتيازات استكشاف في ولايات عدة.

لكن البحث الدقيق عن الشركة كشف أنها بلا سجل يذكر، ولا وجود لأنشطة سابقة، وأن كل ما ارتبط باسمها هو هذه الصفقة. الأغرب أن رجل الأعمال المصري محمد الجارحي، عضو مجلس إدارة النادي الأهلي ونجل رجل الصناعة جمال الجارحي، لم يشر في أي من منصاته أو شركاته المعروفة إلى شراكته في هذه الشركة.

الوضع الحالي في السودان.. تُستخدم أسماء رجال أعمال بارزين كواجهة لتمرير صفقات يملكها آخرون في الخفاء

شبكة مصالح مشبوهة

التحقيقات أظهرت أن بقية الأسهم موزعة بين عمر النمير، «الجوكي» (المعروف بدوره في قضايا مالية مثيرة للجدل) ومبارك أردول، المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية، الذي لم يقدّم نفسه إلا كـ”مدير عام” للشركة، أي بصفة موظف لا مالك. توزيع الحصص نفسه مثير للريبة:

• أردول + النمير = 51.5%
• الجارحي = 48.5%

هذا الترتيب يفتح باب التساؤلات: من يقف وراء بقية الأسهم غير المعلنة؟ وكيف لشركة حديثة العهد بلا تاريخ استثماري أن تُبرم صفقة بهذا الحجم؟

أسهم الشركة
من يقف وراء بقية الأسهم غير المعلنة

سابقة مصرية تكشف النمط

قصة ماتز هولدينغز ليمتد في مصر تقدم مؤشراً واضحاً. فالشركة التي ضمت رجال أعمال سودانيين ومصريين وإسرائيليين استحوذت سابقاً على منجمي ذهب بالصحراء الشرقية، بمساعدة مسؤولين نافذين، قبل أن تُبطل الحكومة المصرية الصفقة بعد عامين، حين تكشّف أن المسؤولين والضباط الحكوميين كانوا أصحاب الأسهم الحقيقية، بينما الشركاء البارزون لم يملكوا سوى 30%.
الوضع الحالي في السودان يبدو نسخة مكررة، حيث تُستخدم أسماء رجال أعمال بارزين كواجهة لتمرير صفقات يملكها آخرون في الخفاء.

دائرة فساد البرهان.. من الذهب إلى الصناعات الحربية

هذه الصفقات لا تنفصل عن دائرة أوسع يقودها عبد الفتاح البرهان وأعوانه.
• فالمحامي حسن البرهان يدير ثروة شقيقه عبر شبكات مالية واستثمارات مخفية.
• هيئة التصنيع الحربي وُضعت تحت سيطرة البرهان منذ 2019، وعُيّن على رأسها شريكه ميرغني إدريس سليمان، الذي طاله تجميد أموال أمريكي لعلاقته بصفقات مشبوهة.
• وزارة الخزانة الأمريكية صنّفت البرهان نفسه بموجب الأمر التنفيذي (14098)، في إشارة إلى تورطه في أنشطة فساد وتجارة سلاح.

الشريك الخفي

أحد أبرز الأسماء التي ظهرت هو أحمد عبد الله “الأوكراني”، رجل الأعمال السوداني ذو العلاقات المتشعبة شرقاً وغرباً، والذي كشفت العقوبات الأمريكية أنه العقل المدبر لشبكة صفقات تسليح تخص البرهان. شركته “بورتكس” في هونغ كونغ مرتبطة بشراء طائرات مسيّرة إيرانية ووساطة في صفقات مع روسيا وأوكرانيا.

الثروة المنهوبة

البرهان، نفسه متهم بامتلاك قصر في تركيا بقيمة (3) ملايين دولار، بينما تتحدث مصادر عن مليارات مكدسة في استثمارات داخلية وخارجية، بعضها ظاهر وبعضها تحت أسماء شركاء وسماسرة. ويؤكد مراقبون أن لو تكشفت حقيقة الأموال المنهوبة من منظومة الصناعات الدفاعية والذهب، لكان السودانيون في حداد دائم على وطن نُهب جهاراً.

غياب الدولة وشرعنة النهب

صفقة “ديب ميتالز” ليست سوى حلقة في سلسلة فساد منظّم، يستخدم النفوذ والوظيفة العامة لإخفاء الملاك الحقيقيين للشركات الناهبة. وبينما يُسوق للمواطنين مشاريع كاذبة مثل “مدينة المعادن”، تُدار الثروات في غرف مغلقة، ويتحول كبار المسؤولين لشركاء خفيين في تجارة الذهب والسلاح.

السؤال الأكبر يظل: أين الدولة؟ بل أين الإرادة الوطنية الحقيقية لحماية ثروات السودان من شبكات النهب التي تربط السياسيين، العسكر، ورجال الأعمال في تحالف مظلم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى