تقارير

قانون «الوجوه الغريبة».. أداة للتمييز العرقي ضد أبناء دارفور وجبال النوبة في مناطق سيطرة الجيش السوداني

مصطلح إعلامي لا قانون رسمي.. ولكن بآثار قانونية خطيرة

الخرطوم | برق السودان

يثير ما يُعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة” الذي طُبّق في عدد من مناطق سيطرة الجيش السوداني، جدلاً واسعاً داخل السودان وخارجه، بوصفه ممارسة تمييزية استهدفت فئات إثنية بعينها، وعلى رأسها أبناء إقليم دارفور وجبال النوبة. وقد أدى هذا القانون إلى عمليات اعتقال واسعة، وتفتيش عنصري، وانتهاكات حقوقية جسيمة، تحت ذريعة “الأمن القومي” وملاحقة العناصر المشبوهة.

نسخة غير مكتوبة من سياسة الفصل العنصري

مصطلح إعلامي لا قانون رسمي.. ولكن بآثار قانونية خطيرة

مصطلح “الوجوه الغريبة” ليس قانونًا صادرًا عن البرلمان أو جهة تشريعية في السودان، بل هو تعبير أطلقته جهات إعلامية وأمنية موالية للجيش لتبرير توقيف أشخاص في الخرطوم ومدن أخرى، بناءً على ملامحهم أو لهجاتهم أو مناطقهم الأصلية.

وقد بدأ تداوله عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، حيث اعتمدت لجان أحياء ومجموعات مسلحة شبه نظامية على هذا التوصيف لاستهداف ذوي البشرة الداكنة واللهجات غير العربية.

وقد جرى تطبيقه بشكل غير رسمي عبر لجان أحياء ومجموعات مسلحة موالية للجيش، نصّبت نفسها كجهات أمنية تقوم بالتفتيش في الأحياء والأسواق ووسائل النقل، وتوقيف الأشخاص على أساس سحنتهم أو لهجتهم، تحت ادعاء أنهم “غرباء” أو “متسللين” في إجراءات وصفتها منظمات حقوقية بأنها “تنميط عنصري” و“ممارسات فصل اجتماعي غير معلن”.

ورغم غياب أي سند قانوني رسمي، فقد تعاملت هذه اللجان والأجهزة الأمنية مع المصطلح وكأنه قانون فعلي، فأقامت عليه حملات توقيف، تفتيش، وتعذيب نفسي ولفظي بحق المواطنين المنتمين إلى الهامش الجغرافي والعرقي.

وبينما زُعِم أن الهدف من هذا الإجراء هو مكافحة التسلل والمخاطر الأمنية، تحوّل عمليًا إلى أداة استهداف ممنهجة ضد أبناء دارفور وجبال النوبة، بسبب ملامحهم الإفريقية ولهجاتهم التي تختلف عن سكان وسط وشمال السودان.

ورغم عدم وجود سند قانوني رسمي لهذا الإجراء، إلا أن السلطات العسكرية سكتت عن ممارساته، بل وشجعت عليها ضمنياً، ما فتح الباب واسعاً أمام الانتهاكات ضد المدنيين.

انتقادات حقوقية وتحذيرات من تفكيك النسيج الاجتماعي

قوبل هذا السلوك بانتقادات لاذعة من منظمات حقوقية محلية ودولية، على رأسها “هيومن رايتس ووتش” و”مرصد السودان للعدالة الانتقالية”، حيث اعتبرته هذه الجهات سياسة عنصرية ممنهجة تعيد إنتاج مفاهيم التمييز العرقي في السودان.

وأكدت تقارير حقوقية أن المئات من أبناء دارفور وجبال النوبة تم توقيفهم تعسفياً، وتعرض بعضهم للضرب والإذلال اللفظي في نقاط التفتيش، دون توجيه تهم قانونية أو تقديمهم للمحاكمة.
ووصف أحد التقارير القانون بأنه “نسخة غير مكتوبة من سياسة الفصل العنصري”، حيث تم اعتماد السحنة واللكنة واللباس كأدوات اتهام مبدئية.

شهادات الضحايا.. الخوف من الملامح والسحنة

يروي “عبد الرحمن”، شاب من نيالا، كيف تعرض للاعتقال من قبل أفراد مسلحين في الخرطوم لأنه “يشبه عناصر الدعم السريع”، حسب تعبيرهم، ويقول:
“طلبوا مني البطاقة الشخصية، ثم قالوا إنني مشبوه فقط لأنني من دارفور، وهددوني بالقتل إن لم أعترف أنني جندي متنكر، رغم أنني مجرد عامل يومية.”

أما “جودي”، وهي طالبة جامعية من جبال النوبة، فتقول إنها توقفت عن الخروج من المنزل في إحدى مدن الولاية الشمالية بعد تعرضها أكثر من مرة لمضايقات في نقاط التفتيش، فقط لأنها “سوداء البشرة” وتتحدث بلهجة نوبية:
“قال لي أحدهم: أنتِ من الدعم السريع متخفية.. كلكم شبه بعض.. أي واحد شكله كده يعتبر عميل!”

وتُظهر مقاطع فيديو تداولها نشطاء أفرادًا من لجان شعبية وهم يفتشون الهواتف ويوقفون المارة بناءً على ملامحهم أو لهجتهم، دون أي سلطة قانونية، ما يعكس فوضى أمنية مغلفة بالعنصرية.

دعوات للمحاسبة المسؤولين

يطالب حقوقيون ونشطاء بفتح تحقيق فوري في انتهاكات “قانون الوجوه الغريبة”، ومحاسبة الجهات والأفراد الذين نفذوا هذه السياسات دون مسوغ قانوني.
كما يدعون إلى إصدار توجيهات رسمية من قيادة الجيش بوقف العمل بهذا التصنيف العرقي، وتأكيد أن السودانيين متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن ملامحهم أو أقاليمهم.

وحذّر مراقبون من أن استمرار هذا التوجه سيؤدي إلى تصعيد الغضب الشعبي، ويعزز النزعات الانفصالية لدى المكونات المهمشة، التي تشعر بأنها مستهدفة داخل وطنها.

في بلد يمزقه الصراع المسلح والانقسام السياسي، يشكل “قانون الوجوه الغريبة” كارثة أخلاقية وقانونية تمزق ما تبقى من نسيج وطني هش.

وإذا لم يتم تفكيك هذا النهج العنصري بشكل عاجل، فقد يصبح السودان على حافة انفجار اجتماعي يتجاوز خطر الحرب المسلحة نحو حرب هويات لا تبقي ولا تذر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى