برق السودان | تقرير خاص
في وقتٍ يرزح فيه السودان تحت واحدة من أعقد الحروب في تاريخه الحديث، خرج خطاب كامل إدريس، أمام مجلس الأمن محاولًا تسويق ما أسماه «مبادرة سياسية» للخروج من الأزمة. غير أن التدقيق في مضمون الخطاب يكشف بوضوح أنه لا يعدو كونه مبادرة إسعافية هشة، أقرب إلى عمل «سبّاك سياسي» يُصلح التسريبات الشكلية ويتجاهل الانفجار الحقيقي في بنية الدولة السودانية.
مبادرة بلا جذور.. وتشخيص مقلوب للأزمة
ما طرحه كامل إدريس، لم يتجاوز إعادة تدوير لغة إنشائية مألوفة تتجنب تسمية الأطراف الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب. فالمبادرة تجاهلت حقيقة أن حكومة بورتسودان، والقيادة العسكرية، وتحالف الإسلاميين (الكيزان) يشكّلون معاً مركز الثقل الذي يرفض أي تسوية حقيقية، ويستثمر في استمرار النزاع كوسيلة لإعادة إنتاج السلطة بالقوة.
إن القفز فوق هذه الحقيقة يُفرغ أي خطاب أمام مجلس الأمن من مضمونه، ويحوّله إلى غطاء سياسي لإطالة أمد الحرب بدلًا من السعي الجاد لإيقافها.
حكومة بورتسودان والجيش: إدارة حرب لا إدارة دولة
بدلًا من البحث عن مخرج سياسي شامل، تواصل حكومة بورتسودان إدارة المشهد بمنطق التعبئة والحسم العسكري، في وقتٍ أثبتت فيه الوقائع أن لا طرف قادر على تحقيق نصر كامل. هذا النهج لا يخدم سوى القوى الأيديولوجية المرتبطة بالنظام القديم، والتي ترى في الحرب فرصة للعودة إلى المشهد تحت لافتة «الدفاع عن الدولة».
وهنا يتقاطع خطاب كامل إدريس – بقصد أو دون قصد – مع هذا المسار، عبر تحييد المسؤولية السياسية للجيش والكيزان، وتقديم الأزمة وكأنها خلاف تقني يمكن معالجته بوصفات دبلوماسية سطحية.
لا حل دون وقف فوري لإطلاق النار
أي مبادرة لا تضع وقف إطلاق النار الفوري والشامل في مقدمة أولوياتها، هي مبادرة محكوم عليها بالفشل. فالحرب ليست نتيجة غياب الأفكار، بل نتيجة إرادة سياسية معطلة ترى في استمرار القتال مكاسب سلطوية وأمنية.
إن استمرار تقديم مبادرات رمادية، لا تُلزم أطراف الحرب، ولا تضع آليات تنفيذ وضمانات دولية، يعني عمليًا منح مزيد من الوقت لآلة القتل للاستمرار.
مبادرة الرباعية: المسار الوحيد القابل للحياة
في مقابل هذه الطروحات الشكلية، تبرز مبادرة الرباعية الدولية كالإطار الأكثر جدية وواقعية، لكونها:
تربط الحل السياسي بوقف النار لا بعده
تضع ضغطاً مباشراً:على أطراف الحرب
تستند إلى مظلة إقليمية ودولية قادرة على فرض الضمانات
إن أي حديث عن تسوية خارج هذا الإطار ليس سوى مناورة سياسية تهدف إلى كسب الوقت وإعادة ترتيب موازين القوة على حساب دماء السودانيين.
خطاب كامل إدريس، في مجلس الأمن لم يُقدّم مخرجاً للأزمة، بل ساهم في تضليل المجتمع الدولي عبر طرح مبادرة «سباك سياسي» تتجاهل جذور الحرب، وتُساوي بين الضحية والجلاد، وتمنح شرعية غير مباشرة للأطراف التي تُطيل أمد النزاع.
والحقيقة الواضحة اليوم هي أن:
لا سلام دون وقف فوري لإطلاق النار، ولا حل خارج مبادرة الرباعية، ولا مستقبل للسودان مع استمرار سلطة الحرب في بورتسودان وتحالف الجيش والكيزان.




