منوعات

لقد دك المغاربة جبلاً شامخاً من أجل ريان

‏الخرطوم | برق السودان

رضا الحالم

ريان، الحب، ريان البراءة، ريان، الإنسانية والعالمية.. أكتبوا منذ اليوم، وبفخر “لقد دك المغاربة جبلاً شامخاً من أجل ريان”.

يقول ريان، قبل الحادثة، “إنتشلوني من هنا، إنتشلوني فالجب مظلم حالك ومخيف”!! يصمت هنيهات! ويعمد وهو في غمرة الهواجس إلى رقن رسالة حارقة بأنامل إعتصرت ما في القلب و الخاطر ليخطب فيكم قائلاً:

أيها الناس

قد سبق في مخيالي الهائم صورة ذاك الرجل الثبت، الواعي بذاته، بالٱخر وبالعالم، يروم التموقع بإدراك وصدق في عالم كبير ومعقد، يعج بالمتغيرات والأحداث المتشابكة، ليخلف ربما أثراً محموداً في نفسه أو ذكراً قد يخلده التاريخ بإعتزاز وقد يلفظه بعنف كما يلفظ البحر زبده. لا تدري لم تعتمل في نفسك هاته الخواطر، وكأن شخصاً ٱخر يسكن جوانحك، يبث فيك ركاماً من الهواجس الممزوجة بالأحلام الوردية وونزغات الشر، ليكرس فعلاً متقلباً وملوناً في الواقع، يجعلك في دائرة يتوسع قطرها كلما ركضت في محيطها بشكل لولبي و منتظم.

 

أيها الناس

هو ذاك الإنسان، يتوق لكل شيء جميل، و تكبله في الوقت ذاته أناه وشروره الكامنة، صراع محتدم إن تأملت فيه يتصدع رأسك من كثرة الشد والجذب والكر والفر وكأنك في ساحة حرب حقيقية، الغريم فيها أنت، قائد الجيشين أنت، المنتصر أنت، المنهزم أنت، المنتشي والمغبون أنت، إختر ما تشاء، فستدور الدائرة لتتقلد المنصب أو الموقع الذي تحاشيته ولو بعد حين. لن تنفك من هذا القيد، لأنك خاضع لناموس – لغز، إسمه الحياة، والحياة، نعم الحياة، سرنا المكشوف والمحير، سرنا المتمرد والغريب.

أيها الناس

كيف ستقنع بهذا شخصاً، يمتح من معين المطلق، ينطلق منه وينتهي إليه، يدعي امتلاكه و الوصاية عليه، يمثل دور المنصت إليك، وهو في الحقيقة ينتصب قاضياً في محكمة شكلها بداخله، يحاكمك ويقضي دون فرصة واحدة منك للدفاع، إلى أن ينفذ الحكم القاطع بطريقته ليجري حكم الله عليك بسرعة فائقة، على إعتبار أنه خليفة الله الموكل بإنفاذ أوامره بين العباد…!

كم سيحتاج هذا الملاك الأرضي المزور ليتساءل عن مملكة الذات، عن ماهيتها وبنائها، عن ثوابتها و متغيراتها؟!، إلى ذلك الحين، فسنكون عرضة لا محالة لزيادة التشظي وللتقهقر وتذيل الأمم، سنصير كراكيز يسهل تحريكها بيسر مادامت البنى الداخلية هشة ومهترئة، بعيدة كل البعد عن الأسئلة الحقيقية والأولوية لمجتمع مخدر بمخلفات الإيديولوجيا البائدة ورواسب الزمن المهدور في الجدل والصفصطة وإنتاج الخواء. نحن عبء على زمن الفعل و الحركة الدؤوب، زمن القمر الحزين المدنس ببيادات الفرنجة البيض وفضاء الوغى الحاضن لمركبات الغول وأهل الحرب.

علم المملكة المغربية
علم المملكة المغربية

أيها الناس

نحن مجرد عابرين، نرزح فوق خط زمني لا يتحرك، نعيش الماضي، ننتج الماضي ونستشرف الماضي، نعيد صياغته بحب وتفان كلما سنحت الفرصة، وأحيانا، لنجيب غريمنا عن سبب جمودنا وتناسينا وغبائنا، فالماضي المقدس قدرنا ولابد من إحترام قدسيته وهيبته وإلا فسننتهي وتتبخر أحلامنا في إرجاع السيف والرمح والخيل والتباهي بحركات الفرسان الشجعان المتقنة في ساحات الوغى، سنكون نسياً منسيا بدون هذه الرموز السالبة للب جيل بينه وبين حقائق الواقع بون شاسع وفرق مهول، جيل يرى بعين لا يتجاوز مداها المتر الواحد، وأحياناً لا يكفي لرمق حذاء القدمين.

ويقول ريان، الملاك اليوم، بعد أن صار في جوار الملأ الأعلى، وتركنا نرتع و نزهو من جب لٱخر.

فرق خدمات الطوارئ المغربية في موقع البئر التي علق فيها الطفل ريان
فرق خدمات الطوارئ المغربية في موقع البئر التي علق فيها الطفل ريان

أيها الناس

أقول لكل أولائك المشككين في جدوى العرب والمسلمين، في إمكانية نهضتهم وإقلاعهم، أقول لهم، تمهلوا، تمهلوا ولا تأخذوا كلامي كله محمل الجد، فليس بعد العين أين كما تقول العرب، غمرتموني بالحب فأثلجتم صدري، و عرفتموني بقدركم فصار دينا عليَّ شكركم.

محمد السادس - ملك المغرب
العاهل المغربي محمد السادس

شكراً لكم جلالة الملك، محمد السادس، نصركم الله وعظم أجركم، وحماكم في حلكم وترحالكم، شملتموني برعايتكم وعطفكم، فكنتم خير راع لرعيته وخير معين لكل مغربي في محنه، فـ لله دركم من ملك قدوة، يرى مالا يراه الناظرون. ملك يجعل شعبه، صغيرهم وكبيرهم، شابهم وعجوزهم، في مرمى عنايته وما هذا بالغريب عن أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل الفضل والشهامة والإباء.

شكراً لكم أيها المغاربة، فقد أظهرتم للعالم معدنكم النفيس، أظهرتم لحمتكم وتراص بنيانكم، أظهرتم وحدتكم وصبركم وإيخاءكم، كنتم النموذج والمثال وقلتم للعالم إن المغرب أمة واحدة، شعب واحد، من شماله إلى جنوبه، قلتم للعالم أن ريان، رمز ورسالة وليس شخص، قلتم إن هذا المغرب ليس غنياً بنفط أو غاز وإنما برجال عرفوا ما عاهدوا الله عليه، فالثبات الثبات والبدار البدار.

شكراً لكل أولائك الذين سهروا على إنقاذ ريان، فأنتم وإن أصابتكم لوعة الفقد، جعلتم العالم يستشف منكم الإنسانية والرحمة والإيخاء، يستشف منكم قيم العمل والحركة الدؤوب والنظام المحكم والتضحية ونكران الذات، عرفتم العالم بمغرب شامخ وأبي، بمغرب قوي و متماسك، بمغرب يعتز بمؤهلاته ويفخر بكفاءاته ومؤسساته.

شكراً لكل الذين غردوا في كل بقاع الأرض تضامنا مع ريان، لكل الذين ذرفوا دمعاً، أو تحسروا أو تأسوا،  فـ”ريان”، رسالة، ريان، قضية، ريان، شعاع أمل”.

شكراً لأمي وأبي وعائلتي وخلاني، وأقول لك اليوم، أن فرخكم ريان، في ضيافة الرحمن يرتع، يعب من الملكوت فيروى، ويملي عينه من حسن الفردوس فتقر.

الشوق إليكم كبير وحبكم في القلب متين، و ما أنا إلا ملبي أمر ربه فـ الله أعلى وأجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى