ما انعكاسات اتفاق السلام الإثيوبي على السودان؟
الخرطوم | برق السودان
ما إن أعلن في عاصمة جنوب أفريقيا بريتوريا، الأربعاء الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عن توصل الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى اتفاق سلام ينهي الحرب التي دارت بينهما عامين وراح ضحيتها عشرات آلاف القتلى، وأدت إلى نزوح الملايين عن مناطقهم، حتى تساءل كثيرون عن مدى انعكاسات هذا الاتفاق على السودان.
التساؤلات ذهبت في اتجاهين، سواء من ناحية أوضاع السودان الداخلية، حيث الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني بسبب الانقلاب الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أو خارجياً في شأن النزاع القائم مع الجارة إثيوبيا حول أراضي الفشقة الحدودية التي يزعم كلا الطرفين أنها تتبع له، فضلاً عن أزمة سد النهضة.
تكامل زراعي
المتخصص السوداني في إدارة الأزمات والتفاوض اللواء أمين إسماعيل مجذوب يرى أن “السودان يؤثر ويتأثر بما يدور في الجارة إثيوبيا، وكان موقفه طوال الصراع الدائر بين الحكومة الاتحادية في أديس أبابا وإقليم تيغراي محايداً وعقلانياً بابتعاده عن كل المحاور وبقي على مسافة واحدة من طرفي الأزمة التي كان لها تأثيرات سلبية على الخرطوم من ناحية التجارة البينية التي توقفت تماماً بين البلدين”.
وأشار إلى أن “المعابر الحدودية بين البلدين أغلقت مرات عدة، وأيضاً شمل التأثير العمليات الزراعية في جانب العمالة الإثيوبية، التي تمثل عصب هذه العملية، ولم تعد موجودة في المناطق الحدودية، بالتالي تأثر الإنتاج الزراعي، وتراجع بشكل كبير، فضلاً عن مسألة اللاجئين والتأثيرات الاجتماعية والأمنية على ولايات السودان الشرقية المتاخمة لمنطقة تيغراي الملتهبة بالقتال”.
وأضاف، “من المؤكد أن صمود اتفاق السلام بين الجانبين الإثيوبيين سيحقق الاستقرار في جميع أراضي أديس أبابا، مما يعني توقف تدفق اللاجئين باتجاه السودان، وتخفيف الضغط السياسي عليه، إضافة إلى تحسّن العلاقات وزيادة سبل التعاون بين القيادتين السودانية والإثيوبية بعيداً من أي ضغوط، مما يساعد في فتح مجالات للتكامل الزراعي بمنطقة الفشقة الحدودية محل النزاع بين الدولتين أو المناطق التي تلي سد النهضة”.
وأوضح مجذوب أن “هذا يشكل أساس الاستراتيجية التي من أجلها قام السد، فإثيوبيا في حاجة للأراضي والإنتاج والغذاء، في حين يملك السودان الأراضي والأيدي العاملة، فضلاً عن الإسهام في الحد من مسألة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر والجريمة العابرة للحدود التي تأتي من الحدود الشرقية، لذلك فإن إيجابيات هذا الاتفاق بالنسبة إلى الخرطوم أكثر من سلبياته”، لافتاً إلى أن أزمتي الحدود وسد النهضة بين البلدين ألقتا بظلالهما السلبية بشكل كبير على دفء العلاقات التي كانت قائمة من قبل، لكن حالياً تغيرت الخريطة والمواقف والوضع في حاجة لمزيد من الجهود وإزالة الغموض في شأن الخلافات العالقة.
ترتيبات إقليمية
في السياق يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم عبد الوهاب الطيب البشير بأن “تأثير اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيغراي في السودان له بعدان، الأول يتعلق بنظرة الفاعلين الدوليين والإقليميين إلى الخرطوم بعد هذا الاتفاق ومدى انعكاسه على منطقة القرن الأفريقي وفق مجموعة من المعايير التي سيتأثر بها السودان كما تأثرت إثيوبيا”، قائلاً إن “البعد الثاني يتصل بالمصالح الدولية في المنطقة، خصوصاً من جانب واشنطن التي اقتضت التدخل في إثيوبيا وقدرتها على حسم هذا الصراع الكبير الذي كان يمكن أن يؤثر في المنطقة والمصالح الأميركية”.
ماذا تجني إريتريا من دخولها صراع إثيوبيا وتيغراي؟
وأضاف “بلا شك أن اتفاق أديس أبابا وتيغراي سيؤثر في أبعاد حسم الصراعات الداخلية في الدولتين (السودان وإثيوبيا)، وكذلك الصراعات الناشبة بينهما، سواء نزاع الحدود حول أراضي الفشقة أو صراع سد النهضة”، وتوقع أن “تتفرغ واشنطن لاستعجال حل الصراع الداخلي في السودان بالوصول إلى تسوية ونظام حكم مدني في ضوء ترتيبات إقليمية مقبلة بالمنطقة تهم المصالح الأميركية، خصوصاً ما يتعلق بأمن البحر الأحمر وذلك لتضييق الخناق على مطامع روسيا والصين”.
تحديات وتهديدات
ونوه البشير إلى أن الاتفاق الإثيوبي سيؤثر في السودان لجهة نزع السلاح وإعادة دمج قوات تيغراي بالجيش، ومسألة الحدود الدولية والمرافق الاتحادية، فهاتان المسألتان تجعلان أديس أبابا قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة، مما يساعد على استقرارها وتوحيد جبهتها الداخلية، بالتالي تكون قادرة على مواجهة أي تحديات وتهديدات من قبل الجانب السوداني، فضلاً عن تمكنها من فرض استراتيجيتها في التعامل الخارجي، خصوصاً مع جيرانها على المستويات الدبلوماسية والسياسية والأمنية والعسكرية.
وأوضح “نجد أن التنازلات التي تمت للوصول إلى الاتفاق الإثيوبي كانت كبيرة، لأنها تتعلق بصراع مسلح وحرب بين دولة وإقليم، فضلاً عن تدخل أطراف خارجية، وهو ما يختلف عن الوضع في السودان باعتباره صراعاً سياسياً أقل كلفة”.
ورغم ذلك توقع البشير أن “يدفع هذا الاتفاق قومية الأمهرا التي تعارضه بحكم صراعها التقليدي مع تيغراي إلى إحداث مناوشات داخل أراضي الفشقة من أجل استعادة مطامعها السابقة، لذلك يجب على الجانب السوداني أن يحكم جاهزيته على أراضيه الحدودية تحسباً لأي طارئ قد يحدث”، لافتاً إلى أنه يجب على الخرطوم التحرك باتجاه معالجة وضع اللاجئين الإثيوبيين وغالبيتهم من قومية تيغراي، إذ لجأوا إلى السودان هرباً من الحرب التي أعلنتها ضدهم حكومة آبي أحمد مطلع نوفمبر 2020، إلى جانب مطالبة المنظمات الأجنبية بريع الإغاثة، خصوصاً أن الاتفاق الإثيوبي الأخير لم يغفل تناول هذا الموضوع.
خطوات مسرعة
من جهته رأى المحلل الإثيوبي موسى شيخو أن الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي ألقى بظلاله على كثير من الصعد، تحديداً من ناحية انعكاساته على العلاقات مع السودان، فحكومة أديس أبابا أدركت أن الحفاظ على علاقاتها القوية مع الخرطوم والتواصل مع قيادتها مهم جداً وضروري للغاية، وهو ما سيدفع إلى تطور هذه العلاقات في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية. وأشار إلى أن حاجة إثيوبيا للسودان كبيرة، مستبعداً أن يقود الاتفاق إلى أي أعمال عدائية باتجاه النزاع الحدودي بين البلدين.
ويعتبر شيخو أن “ارتباط موضوع السودان سياسياً بموضوع سد النهضة ونشوب الأزمات بين الدولتين جعلا أديس أبابا تدفع ثمناً باهظاً، لذلك أرى أن إثيوبيا ستحرص خلال الفترة المقبلة على العمل مع السودان جنباً إلى جنب كجار مهم ودولة مهمة تربطهما علاقات أزلية”.
وأضاف المحلل الإثيوبي، “أصبح السودان أكثر وعياً وإدراكاً من ذي قبل، لأن أي حل في الداخل الإثيوبي، خصوصاً في أجزاء الشمال سينعكس سلباً أو إيجاباً على الخرطوم، بخاصة من ناحية تدفق اللاجئين، فضلاً عن المشكلات الأمنية”، موضحاً أنه “كلما كان الداخل الإثيوبي، خصوصاً الأقاليم المحاذية للحدود الشرقية للسودان، في هدوء واستقرار كلما كانت الخرطوم في استتباب تام، لذلك فإن تأخير حسم مشكلة الحدود بين البلدين أدى إلى عواقب كبيرة جداً، مما يتطلب من الجانبين الإسراع في إعادة اللجنة الأمنية المشتركة التي كانت تعمل على ترسيم الحدود للوصول إلى اتفاق نهائي وسد الباب الذي تأتي منه المشكلات”.
وتوقع شيخو أن تتحرك أديس أبابا والخرطوم بخطوات مسرعة نحو الأمام انطلاقاً من أزلية العلاقات، إذ إن ارتباطهما ليس أمنياً وسياسياً فقط، إنما أكبر من ذلك بكثير لامتداده أسرياً لأكثر من قرون عدة.
اقرأ ايضاً :