تقارير

مليط.. عندما تتحول المساعدات الإنسانية إلى ساحة حرب

قراءة استقصائية في جريمة الحركة الإسلامية

مليط | برق السودان

في لحظة كان ينتظر فيها آلاف المدنيين بصيص أمل يصلهم عبر قافلة مساعدات إنسانية، اختارت طائرات جيش الحركة الإسلامية أن تقصف تلك القافلة في مدينة مليط، لتضيف جريمة جديدة إلى سجل طويل من الانتهاكات. لكن ما وراء هذا الاستهداف لا ينفصل عن السياق السياسي والعسكري للحرب الدائرة في السودان، حيث تتحول المساعدات الإنسانية إلى ورقة ضغط بيد الفاعلين المسلحين.

الحركة الإسلامية تعتبر أن السيطرة على السكان أهم من الانتصار على الميدان

أبعاد سياسية: تفجير المسار الديمقراطي عبر التجويع

منذ اندلاع الحرب، سعت الحركة الإسلامية إلى إفشال أي مسار ديمقراطي يهدد بقاءها في المشهد السياسي. وفي هذا السياق، يصبح استهداف القوافل الإنسانية جزءًا من إستراتيجية تقوم على:

• إظهار عجز الحكومة المدنية الانتقالية عن حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات.

• إحباط الروح الثورية عبر مضاعفة معاناة الناس، وتجويعهم كوسيلة ضغط لإضعاف الحاضنة الشعبية للثورة.

• إرسال رسالة سياسية للمجتمع الدولي بأن الحركة الإسلامية ما زالت قوة مؤثرة ميدانيًا، قادرة على تعطيل أي جهود إنسانية أو سياسية لا تمر عبرها.

هذا التكتيك يربط بين المعركة العسكرية والمعركة السياسية، حيث لا يُنظر للمساعدات إلا باعتبارها وسيلة لتعطيل الثورة وإظهار أن السودان رهينة للفوضى ما لم تعد الحركة إلى مركز القرار.

أبعاد عسكرية: الحرب على المدنيين كسلاح استراتيجي

في الميدان العسكري، يشير مراقبون إلى أن استهداف القوافل لم يكن خطأ عارضًا، بل قرارًا محسوبًا يعكس إستراتيجية الحرب على المدنيين:

• قطع خطوط الإمداد غير العسكرية، بحيث يُحرم المدنيون من الغذاء والدواء فيتحولون إلى عبء على القوى الثورية والمجتمع المحلي.

• بث الرعب والإحباط في نفوس الناس عبر ضرب ما يفترض أن يكون خطًا أحمر (المساعدات الإنسانية).

• خلق مناطق موت بطيء عبر التجويع والحصار، كوسيلة لإفراغ مناطق كاملة من سكانها أو دفعهم للاستسلام.

هذه التكتيكات ليست جديدة في حروب المنطقة، لكنها في الحالة السودانية تحمل دلالات خاصة: إذ تكشف أن الحركة الإسلامية لم تعد ترى في الحرب مجرد مواجهة مع خصومها المسلحين، بل مع المجتمع المدني برمته، معتبرة أن السيطرة على السكان أهم من الانتصار على الميدان.

من المسؤولية الأخلاقية إلى المساءلة الجنائية

تُبرز جريمة مليط الحاجة الماسة إلى تحرك حقوقي ودولي منظم. فبينما توثق المنظمات الحقوقية استهداف المستشفيات والمدارس في النزاع السوداني، يشكل قصف قافلة المساعدات نقطة مفصلية يمكن أن تدفع بملفات الحركة الإسلامية إلى محكمة الجنايات الدولية.

وبحسب خبراء، فإن استهداف المساعدات الإنسانية يرقى إلى “جريمة حرب منهجية”، يمكن أن تشكل أساسًا لمحاسبة قيادات الحركة الإسلامية، ليس فقط عسكريًا بل سياسيًا، باعتبار أن القرار بعرقلة المساعدات يتجاوز حدود الميدان ليصبح أداة سياسية مقصودة.

ما جرى في مليط لم يكن مجرد حادثة عسكرية، بل حلقة في سلسلة استراتيجية تستهدف إفشال الثورة وتجويع الشعب لإبقائه تحت السيطرة. وإذا كان العالم يبحث عن دليل جديد على أن الحركة الإسلامية تضع المدنيين في قلب دائرة الصراع، فإن قصف قافلة المساعدات الإنسانية يقدم أوضح الأدلة وأكثرها فظاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى