
تحقيق | فريق برق السودان
في أقل من أربع وعشرين ساعة فقط، وجدت وزارة المعادن السودانية ووكالة السودان للأنباء (سونا) نفسيهما في قلب فضيحة إعلامية وسياسية غير مسبوقة. فبينما نشرت “سونا” يوم الخامس من سبتمبر 2025 خبراً يوثق مراسم توقيع اتفاقية استثمارية كبرى مع شركة غامضة تُدعى “ديب ميتالز” بقيمة 277 مليون دولار، عادت الوكالة في اليوم التالي لتنشر بياناً رسمياً من الوزارة نفسها ينفي جملة وتفصيلاً وجود أي اتفاق أو مذكرة تفاهم مع الشركة!
فضيحة التضارب تزيد من الشبهات التي أُثيرت سابقاً حول شركة «ديب ميتالز» التي لا تملك أي سجل تجاري أو نشاط معروف قبل الإعلان عن الصفقة
تضارب رسمي يفضح الارتباك
• في الخبر الأول (5 سبتمبر 2025)، جاء النص واضحاً: مراسم توقيع استثمارية بفندق هيلتون القاهرة، بحضور وزير المعادن نور الدائم محمد أحمد طه، ورجل الأعمال السوداني عمر النمير، ورجل الأعمال المصري محمد الجارحي.
• نص الاتفاقية المزعومة تحدث عن استثمارات ضخمة تشمل الذهب والحديد في ولايات مختلفة، وإنشاء مصنع لمعالجة المخلفات ومصفاة للذهب.
لكن في اليوم التالي مباشرة (6 سبتمبر 2025)، خرجت الوزارة عبر “سونا” نفسها ببيان تنفي فيه وجود أي اتفاق أو التزام قانوني، ووصفت الأخبار بأنها “عارية من الصحة”.
هذا السلوك لا يسيء فقط لمصداقية الإعلام الرسمي بل يضرب في عمق الثقة الشعبية والمؤسسية
أين المصداقية؟
هذا التناقض يكشف عن أزمة خطيرة:
1. وزارة المعادن: إما أنها بالفعل وقّعت اتفاقاً ثم تراجعت تحت ضغوط، أو أنها عاجزة عن ضبط خطابها الرسمي، مما يضعف ثقة الرأي العام.
2. وكالة سونا: لم تكتفِ بنشر أخبار متضاربة، بل ارتكبت خطأً فادحاً بعدم الاعتذار أو تصحيح الخبر الأول بشكل واضح وصريح، وهو ما يجعلها شريكاً في تضليل الشعب السوداني.
شركة «ديب ميتالز».. اللغز الأكبر
فضيحة التضارب تزيد من الشبهات التي أُثيرت سابقاً حول شركة “ديب ميتالز”، التي لا تملك أي سجل تجاري أو نشاط معروف قبل الإعلان عن الصفقة. جميع الشركاء الذين ذُكرت أسماؤهم في الإعلام (عمر النمير، محمد الجارحي، مبارك أردول) تجنبوا تقديم الشركة ككيان راسخ أو موثق، رغم أن قيمة الصفقة تتجاوز ربع مليار دولار.
دلالات سياسية واقتصادية
• التراجع المفاجئ يكشف عن صراع داخلي في مراكز القرار بين من يرغب في تمرير الصفقة ومن يخشى تبعاتها.
• غياب الشفافية يرسل إشارات مدمرة للمستثمرين حول بيئة الاستثمار في السودان.
• التضارب يفتح الباب أمام احتمالات تورط أطراف نافذة في محاولة لتمرير اتفاق مشبوه عبر الإعلام الرسمي.
إدانة مستحقة
إن ما جرى لا يمكن اعتباره مجرد خطأ صحفي عابر، بل هو فضيحة مكتملة الأركان.
وزارة المعادن متورطة في إرباك المشهد، ووكالة سونا ارتكبت خطيئة مهنية كبرى حين نشرت خبر التوقيع ثم عادت لتنشر النفي دون أن تعتذر للشعب أو توضح أسباب هذا التناقض.
هذا السلوك لا يسيء فقط لمصداقية الإعلام الرسمي، بل يضرب في عمق الثقة الشعبية والمؤسسية، ويعزز القناعة بأن الفساد والتلاعب يسيطران على قطاع حيوي مثل قطاع المعادن، حيث تُهدر ثروات السودان بين الصفقات المشبوهة والتصريحات المتناقضة.