أكثر الانتخابات إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي
ليست المرة الأولى التي يكتنف فيها الانتخابات الأمريكية الغموض، وتُثار الجدالات حولها؛ فالصراع الانتخابي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن الذي لن تحسمه إلا المحكمة العليا -كما يغلب الظن- لم يكن الأول تاريخيًّا؛ إذ لم يخلُ التاريخ الأمريكي من منازعات مثيرة للجدل حول الانتخابات الرئاسية عبر العقود والحِقَب.
واتسمت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر أكثر من 200 عام من تاريخها بالهدوء؛ فقد جرت العادة أن يعترف الخاسر بهزيمته في الانتخابات، وأن يتمنى النجاح للفائز في تحقيق آمال وتطلعات الشعب الأمريكي، كما يستقبل الرئيس المنتهية ولايته في البيت الأبيض الرئيس الجديد؛ لتدور الأحاديث الودية قبل أن يودعه، ويتمني له التوفيق.. إلا أن تلك الصورة الوردية لم تكن دائمة الحدوث، وشابت العملية في بعض السنوات الكثير من اللغط والاتهامات والجدل اللانهائي، كما هو الحاصل الآن بين “ترامب” و”بايدن”.
المحكمة العليا تتدخل في 2000
قبل نحو 20 عامًا من الآن دارت واحدة من أشرس المعارك الانتخابية بين الجمهوري جورج بوش الابن، ومنافسه الديمقراطي آل جور، ولم تحسم إلا بحكم قضائي من المحكمة العليا؛ فقد جاءت انتخابات عام 2000 مثيرة ومتقاربة بشدة؛ إذ استطاع آل جور التفوق في التصويت الشعبي على منافسه بوش الابن بنحو نصف مليون صوت، إلا إنه تلقى الهزيمة عبر المجمع الانتخابي بعد أن رجح كفة “بوش”.
وبعد أن هنأ آل جور منافسه الجمهوري بالنصر جاء الإعلان الرسمي عن الأرقام؛ ليشير إلى فوز “بوش الابن” بأصوات ولاية فلوريدا بفارق ضئيل جدًّا، لا يكاد يتعدى 600 صوت فقط؛ وإثر ذلك سحب “جور” التهنئة، وقرر المضي قُدمًا في ساحات القضاء متجهًا إلى المحكمة العليا في فلوريدا لإعادة فرز، وتدقيق الأصوات مجددًا.
وحقق الديمقراطيون النصر من خلال قرار للمحكمة بإعادة فرز أصوات الولاية المتأرجحة يدويًّا إلا أن المحكمة العليا للبلاد أحبطت محاولاتهم بعد أن أعلنت عدم دستورية قرار إعادة الفرز يدويًّا؛ لتحسم الجدل، وتعلن نهاية الانتخابات بفوز جورج بوش الابن بمقعد البيت الأبيض، وإعلانه رئيسًا للبلاد بعد شد وجذب، استمرَّا حتى منتصف شهر ديسمبر تقريبًا، وقبل نحو شهر فقط من تسلُّم الرئيس الجديد مهام عمله رسميًّا.
نيكسون وكينيدي واتهامات التزوير
وفي عام 1960 كانت الولايات المتحدة على موعد مع السباق الأشرس في القرن العشرين بين المرشح الديمقراطي جون كينيدي ونظيره الجمهوري ريتشارد نيكسون على مقعد الرئاسة؛ فقد شاب العملية الانتخابية الكثير من الجدل، واتهامات بالتزوير وشراء الأصوات لصالح المرشح الديمقراطي جون كينيدي؛ فقد حصل “كينيدي” على 113000 صوت فقط أكثر من نيكسون من أصل 68 مليون صوت تم الإدلاء بها في التصويت الشعبي. وإضافة إلى العديد من الشواهد الأخرى أعلن الجمهوريون غضبهم من نتائج الانتخابات متهمين نظراءهم الديمقراطيين بالغش وسرقة الانتخابات، في سيناريو مشابه لما يحدث الآن.
وعلى الرغم من عدم تحبيذ “نيكسون” السير في مسار الاتهامات بالغش؛ حتى لا يتأثر مستقبله السياسي (عاد مرة أخرى رئيسًا للبلاد في عام 1969م) إلا أن حملته أصرت على المضي قدمًا في ذلك، واستطاعت الظفر بقرارات لإعادة فرز الأصوات في بعض الولايات المتأرجحة والمثيرة للشكوك، كما ذهبوا بقضيتهم للمحكمة الفيدرالية، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل في النهاية، وصادقت الهيئة الانتخابية في البلاد على جون كينيدي رئيسًا جديدًا في النصف الثاني من شهر ديسمبر عام 1960م. ولا يزال الجمهوريون يرون أن تلك الانتخابات قد سُرقت منهم، وأن العملية شابها تزوير بيّن؛ إذ ظل المرشح الجمهوري “نيكسون” يدعي أنه فاز، ولكنهم سرقوا منه الانتخابات.
الكونجرس يحسمها
انتخابات أخرى جرت في القرن التاسع عشر، تخللتها الإثارة، ولكن هذه المرة حسمها الكونجرس؛ فقد انتهت الانتخابات الرئاسية مرتين في عامَي 1824م و1876م في مجلس النواب بعدما فشل المرشحون وقتها للرئاسة في تأمين أغلبية أصوات أعضاء المجمع الانتخابي.
ففي عام 1824م ترشح كل من أندرو جاكسون، وجون كوينسي آدامز، وهنري كلاي، وويليام كروفورد للرئاسة، ولم يفز أي منهم بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي؛ ليتدخل مجلس النواب ويختار “آدامز” رئيسًا.
أما في عام 1876م فقد انتهى المطاف بالانتخابات بتساوي المرشحين، كما تم الاعتراض على الاقتراع في ثلاث ولايات (لوريدا، كارولاينا الجنوبية ولويزيانا). ولم يُحلّ ذلك المأزق إلا عبر اتفاق سياسي عن طريق الكونجرس إثره تسلُّم الجمهوري روذرفورد هايز الرئاسة على حساب الديمقراطي صامويل تيلدن الذي فاز في التصويت الشعبي، وتم تعويض “تيلدن” بأن سُمح لحزبه الديمقراطي بوضع حد لإعادة الإعمار.