البرهان يقلّص نفوذ الحركات المسلحة: جبريل يرفض ومناوي يتجاوب
جبريل إبراهيم يتمسّك بالمالية ويرفض العرض

بورتسودان | برق السودان
في تطور سياسي لافت قبيل إعلان الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، كشفت مصادر مطلعة عن مشاورات مغلقة جرت بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقادة الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام، وعلى رأسهم رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.
وبحسب المعلومات، أبلغ البرهان، القياديين بأن الحركات المسلحة لن تُمنح أكثر من وزارة واحدة لكل حركة في التشكيل الحكومي المقبل، ما قوبل بمواقف متباينة بين الطرفين.
يرى مراقبون أن الخلاف الحالي لا يقتصر على توزيع الوزارات بل يعكس صراعًا أعمق حول النفوذ السياسي في مرحلة ما بعد الحرب
جبريل يتمسّك بالمالية ويرفض العرض
رفض الدكتور جبريل إبراهيم، وزير المالية الحالي وزعيم حركة العدل والمساواة، العرض المقدم من البرهان، معتبرًا أن تمثيل حركته في الحكومة لا يجب أن يقتصر على وزارة واحدة، بل يجب أن يشمل وزارة المالية بالإضافة إلى وزارة أخرى، يُرجّح أن تكون وزارة الرعاية الاجتماعية، التي تنسجم مع خطاب الحركة ومطالبها الاجتماعية والاقتصادية.
وأبلغ جبريل، البرهان، بشكل مباشر أن حركته لن تشارك في أي حكومة لا تضمن هذا التمثيل المزدوج، وهو ما يعكس تمسكه بمكاسب سياسية حصلت عليها حركته في الفترة السابقة بموجب اتفاق جوبا للسلام الموقع في 2020، والذي منح الحركات نسبًا معتبرة في مؤسسات الدولة الانتقالية.
موقف جبريل هذا أثار استياء دوائر في القيادة العسكرية، التي ترى في هذه المطالب نوعًا من “الابتزاز السياسي” ومحاولة فرض الأمر الواقع على حساب هيكلة الحكومة المرتقبة، التي يُراد لها أن تكون أكثر مرونة وأقل خضوعًا للمحاصصة.
مناوي يميل للتجاوب والبرهان يُحرّك الاستخبارات
في المقابل، أبدى مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان، تجاوبًا أوليًا مع طرح البرهان، ملوّحًا بإمكانية قبول حركته بوزارة واحدة. ويُفهم من هذا الموقف رغبة مناوي، في الحفاظ على علاقة متوازنة مع القيادة العسكرية، وتقديم نفسه كشريك “مرن” في مرحلة انتقالية مضطربة.
ووفقًا للمصادر ذاتها، فقد وجّه الفريق البرهان، الاستخبارات العسكرية بالتواصل مع بقية أطراف اتفاق جوبا، لإعادة النظر في نسب توزيع السلطة التي نص عليها الاتفاق، وذلك بهدف تطويق جبريل، سياسيًا، والضغط عليه لتليين موقفه. وقد بدأت بالفعل اتصالات مع قيادات من حركة تحرير السودان-القيادة الثانية، وحركة كوش، ومجموعات أخرى ضمن التحالف الموقع على الاتفاق.
ويرى مراقبون أن خطوة البرهان، تعكس تحولًا في إستراتيجية التعاطي مع الحركات المسلحة، من منطق الشراكة المطلقة إلى منطق “المشاركة المقننة”، في ظل واقع سياسي وعسكري جديد فرضته الحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل 2023.
صراع على النفوذ في مرحلة إعادة التشكيل
يرى مراقبون أن الخلاف الحالي لا يقتصر على توزيع الوزارات، بل يعكس صراعًا أعمق حول النفوذ السياسي في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تسعى بعض القيادات العسكرية لتقليص نفوذ الحركات المسلحة التي تعتبرها “عائقًا أمام بناء حكومة فعالة”، بينما تصر تلك الحركات على الحفاظ على مكاسبها التي تراها ثمرة لنضال طويل ومفاوضات شاقة.
في المقابل، هناك تساؤلات تطرح نفسها: هل يستطيع البرهان، فرض رؤيته دون تفجير اتفاق جوبا من الداخل؟ وهل يتجه جبريل، إلى التصعيد السياسي إذا ما استُبعد من وزارة المالية؟ أم أن الحسابات البراغماتية قد تدفعه للتراجع في اللحظة الأخيرة؟
الساعات القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير التفاهم بين العسكريين والحركات المسلحة. فبين تجاوب مناوي، ورفض جبريل، وتحركات الاستخبارات، يظل تشكيل الحكومة القادمة اختبارًا حقيقيًا لإمكانية إعادة بناء السلطة الانتقالية على أسس مختلفة عن المحاصصة السابقة.