تقارير

الجنرال في الزاوية الضيقة.. هل ينجو البرهان من ضغوط الداخل والخارج؟

الدخول في مفاوضات سياسية تفرض عليه التنازل عن جزء كبير من سلطته

بورتسودان | برق السودان 

تصاعد التحديات وغياب الخيارات في بورتسودان

في الوقت الذي تتسع فيه رقعة الأزمة السودانية داخليًا وتتوالى الإشارات الدولية التي تُحاصر المشهد من الخارج، يقف الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في وضع سياسي هو الأكثر حرجًا منذ توليه رئاسة مجلس السيادة. فالرجل الذي فرّ إلى بورتسودان هربًا من تمدد قوات الدعم السريع في العاصمة، بات اليوم في مواجهة ضغوط متداخلة لا تترك له الكثير من المناورة.

خيارات البرهان باتت محصورة .. الدخول في مفاوضات سياسية تفرض عليه التنازل عن جزء كبير من سلطته

غرف مغلقة.. اجتماعات مرتبكة وقلق من المستقبل

تشير مصادر دبلوماسية وميدانية إلى أن الاجتماعات التي يعقدها البرهان مع قيادات عسكرية وسياسية في بورتسودان تشهد حالة من التوتر والارتباك، وسط انقسامات متزايدة داخل معسكر السلطة.

أصوات في المجلس السيادي نفسه باتت تهمس بعدم جدوى الاستمرار في النهج العسكري، بينما يرفض البرهان الاستجابة للمبادرات التي تدعو لوقف الحرب والدخول في مفاوضات مباشرة مع المدنيين والمتمردين على حد سواء.

في هذه الاجتماعات، تتكرر مناقشة سيناريوهات مقلقة، منها تصاعد الانشقاقات داخل الجيش، وفقدان السيطرة على ولايات الشرق التي طالما اعتبرها البرهان خط الأمان. وتشير التسريبات إلى أن شخصيات كانت من الصفوف الأمامية للدفاع عن سلطة البرهان بدأت تفكر في مغادرة المشهد، إما بالفرار أو بالتماهي مع تيارات بديلة.

بورتسودان.. من ملاذ إلى عبء استراتيجي

حين وصل البرهان، إلى بورتسودان، رُوّج لها كـ”عاصمة مؤقتة” وكموقع آمن يمكن من خلاله إدارة الدولة عسكريًا ودبلوماسيًا. لكن بمرور الوقت، تحوّلت المدينة إلى ورطة استراتيجية. فالبنية التحتية المتهالكة، واحتجاجات المواطنين ضد تردي الخدمات، والوجود الأجنبي المتزايد في المدينة، كلها عوامل أضعفت من صورة البرهان.

بل إن أصواتًا داخل الحاضنة العسكرية بدأت تُحمّله مسؤولية “تحويل بورتسودان إلى ثكنة مشلولة”، خاصة مع تصاعد التقارير حول تورط الجيش في تهريب السلاح وتوفير موطئ قدم لقوى إقليمية مثل إيران وتركيا، ما أثار تحفظات دولية متزايدة وأعاد السودان إلى قائمة الدول موضع المراقبة.

ضغوط الخارج.. لا دعم بلا ثمن

في المقابل، لم تفلح محاولات البرهان للحصول على دعم خارجي بلا شروط. دول الإقليم تبنت موقفًا حذرًا، والولايات المتحدة أدرجت السودان على قائمة العقوبات المتعلقة باستخدام أسلحة كيميائية، فيما تكثف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي دعواتهما لوقف فوري للقتال.

الضغوط الدولية لم تعد ناعمة. هناك تحذيرات واضحة من احتمالية فتح ملفات تحقيق ضد قيادات عسكرية بتهم تتعلق بجرائم حرب وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. البرهان بات يدرك أن صموده في بورتسودان لا يساوي شيئًا أمام عزلة إقليمية ودولية متزايدة، تترجمها عواصم العالم إلى تقارير استخباراتية ومذكرات سرية.

الخيارات المتبقية.. مناورات خطرة في ميدان مغلق

خيارات البرهان باتت محصورة:

• الاستمرار في القتال دون أفق، مع ما يحمله ذلك من خطر التفكك الكامل للمؤسسة العسكرية.

• الدخول في مفاوضات سياسية تفرض عليه التنازل عن جزء كبير من سلطته.

• أو الرهان على دعم إقليمي غير مضمون في ظل تغير المواقف الدولية المتسارع.

وفي جميع الأحوال، فإن معركته لم تعد عسكرية فقط، بل سياسية ووجودية في المقام الأول. إذ بات واضحًا أن الوقت لا يعمل لصالحه، وأن “الجنرال القوي” الذي كان يفرض إيقاعه على المشهد، أصبح اليوم يحاول فقط أن يُبقي على بقائه السياسي من خلال خطوات دفاعية، في ساحة لم تعد ترحب به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى