تقارير

السودان: أزمة مستمرة تهدد بتفكك الأمة وسط صمت عالمي

تحقيق | برق السودان 

في ظل تصاعد الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، يواجه البلد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث. منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحولت العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة من دارفور وكردفان إلى ساحات قتال دموية، تاركة وراءها دمارًا شاملاً وملايين النازحين.

التقارير تشير إلى أكثر من 30 مليون شخص – أي ما يزيد عن ثلثي السكان – بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما يُوصف الآن بـ”أكبر أزمة نزوح في العالم”. مع استمرار الحرب دون أفق واضح للسلام، يطرح السؤال: هل يتجه السودان نحو الانهيار التام، أم أن هناك بصيص أمل لإنقاذه؟

تصاعد الصراع وتقدم الجيش: هل اقتربت نهاية الحرب؟

في الأشهر الأخيرة، حقق الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان تقدمًا ملحوظًا في استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية في الخرطوم وأم درمان. بحلول فبراير 2025، سيطر الجيش على مواقع رئيسية تشمل جسورًا حيوية ومقرات دبلوماسية مثل السفارات البريطانية والتركية، مما يعكس تراجعًا نسبيًا لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. هذا التقدم جاء بعد أشهر من المعارك الضارية التي شهدت استخدام الطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشريد السكان.لكن هذا التقدم العسكري لا يعني بالضرورة اقتراب نهاية الصراع. على الجانب الآخر، تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز نفوذها السياسي عبر محاولات إنشاء حكومة موازية، في تصعيد ينذر بمزيد من التعقيد. تقارير محلية تشير إلى أن الدعم السريع لا يزال يسيطر على أجزاء واسعة من دارفور، حيث هاجمت مؤخرًا مخيم زمزم للنازحين، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. الأمم المتحدة حذرت في 18 فبراير 2025 من أن “الإفلات من العقاب يغذي انتهاكات حقوق الإنسان”، مشيرة إلى الإعدامات خارج القانون والعنف الجنسي كجزء من الحرب.

البرهان، أعلن في خطاب حديث عن خطط لتشكيل حكومة انتقالية تكنوقراط بحلول منتصف 2025، مع تعديلات على الوثيقة الدستورية لتوسيع صلاحيات المجلس السيادي. لكن هذه الخطوة تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك انعدام الثقة بين الأطراف المتحاربة ورفض قوات الدعم السريع أي تسوية لا تمنحها حصة كبيرة في السلطة. المحللون يرون أن الحرب قد تطول إذا لم تتدخل قوى دولية وإقليمية بشكل حاسم لفرض هدنة مستدامة.

الأزمة الإنسانية: شعب يواجه المجاعة والنسيان

الأزمة-الإنسانية
شعب السودان يواجه المجاعة والنسيان

وسط هذا الصراع، يعاني المدنيون السودانيون من كارثة إنسانية غير مسبوقة. تقرير للأمم المتحدة في 15 فبراير 2025 وصف الوضع بأنه “أزمة مذهلة الحجم والوحشية”، مع 25.6 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. مخيمات النازحين مثل زمزم في دارفور أصبحت مسرحًا للمجاعة، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن الوصول إلى مدينة الفاشر “أصبح مستحيلاً” بسبب الحصار المفروض من قوات الدعم السريع.

المساعدات الإنسانية تواجه عقبات جمة، إذ تعيق الأطراف المتحاربة وصول الإمدادات، بينما لا تتجاوز التمويلات الدولية 30% من المطلوب لعام 2025، وفقًا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. الإمارات قدمت 200 مليون دولار في منتصف فبراير كجزء من جهود إنسانية، داعية إلى “هدنة خلال رمضان”، لكن هذه المبادرة لم تترجم إلى نتائج ملموسة بعد. في المقابل، تتزايد تقارير المجاعة والأمراض مثل الكوليرا والملاريا، مع انهيار 80% من المستشفيات في مناطق النزاع.

الاقتصاد السوداني يعاني أيضًا من انهيار شبه كامل، حيث انخفضت قيمة الجنيه بنسبة تزيد عن 80% منذ بدء الحرب، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية. هذا الوضع يفاقم معاناة السكان، حيث أصبحت السلع الأساسية بعيدة المنال لأغلب الأسر. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا في 15 فبراير إلى “تكثيف الجهود لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات”، محذرًا من أن السودان قد يصبح “كابوسًا يمتد إلى دول الجوار” إذا لم يتم التصدي للأزمة.

التدخلات الخارجية تضيف بُعدًا آخر للمعاناة، حيث تتهم الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولاً مثل إيران وأوكرانيا وتركيا وروسيا بدعم أطراف النزاع بالسلاح، مما يطيل أمد الحرب. الولايات المتحدة فرضت عقوبات على البرهان، في يناير 2025 بسبب “الهجمات على المدنيين وحرمانهم من المساعدات”، لكن هذه الخطوة لم تغير المعادلة على الأرض.

مستقبل غامض: هل يمكن للسودان الصمود؟

مع استمرار القتال وفشل جولات التفاوض في جنيف وأماكن أخرى، يبدو أن السودان يقترب من نقطة تحول خطيرة. الاتحاد الأفريقي دعا في 17 فبراير 2025 إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، لكن غياب آلية تنفيذية فعالة يثير الشكوك حول جدوى هذه الدعوات. خبراء يحذرون من أن البلاد قد تنزلق إلى “دولة فاشلة” تهيمن عليها الميليشيات إذا لم تتحقق تسوية سياسية قريبًا.

في المقابل، تبرز مبادرات محلية مثل “غرف الطوارئ” كشعاع أمل، حيث تقدم هذه الشبكات الشعبية الدعم للملايين في ظل غياب المنظمات الدولية الكبرى. لكن هذه الجهود لا يمكن أن تحل محل تدخل دولي منسق. السودان اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن يتحد المجتمع الدولي لفرض السلام وإعادة البناء، أو أن يترك البلد يغرق في فوضى قد تمتد آثارها لعقود. الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير أمة تواجه اختبارها الأعظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى