الخرطوم | برق السودان – ✍️ مني أركو مناوي – حاكم إقليم دارفور
الوحوش في الغابة ليس بينهم الإلفة والعشرة والصداقة إلا عندما يتواجدون في حظيرة ملكيتها طرف ثالث بالرغم من أنهم جميعاً يمارسون مهنة واحدة وهي الصيد والغدر.
هكذا عاشت البلاد سبعون سنة في صراع أجوف بين اليمين واليسار. الآن البلاد في حاجة إلى طرف آخر وسيط لوقف الانزلاق إلى ما هو أخطر مما نحن فيه الآن.
ثمة منافسة في السودان بين اليسار واليمين تحتدم من وقت لآخر وهي ليست وليدة اليوم، بل نشأت منذ وقت طويل وهي من رحم الحرب الباردة، انتهت الحرب الباردة وعلى إثرها انتهت المحاور وتوافقت الدول العظمى على نظام عالمي واحد يقسم الكرة الأرضية إلى مناطق نفوذ. إلا أن المستغفلين مازالوا في التوهان القديم الذي خلفه التاريخ.
الحرب الأيديولوجية بين اليسار واليمين كميات السودان لعقود طويلة، لقد ظن اليمين في السودان أنه يخدم الدين، بإعلان الجهاد على مواطنيه، في عهدهم ارتكبوا جرائم يندي لها الجبين وأباحوا حرمات ولم ينج بعض أهل السودان حتى من السبي والرق، احتضنوا الإرهاب تحت شعار أنصر المجاهدين من أجل أمة إسلامية، إلى أن تم عزلهم من العالم بسبب ممارساتهم الخرقاء.
اليمين قاطع العالم ظناً أنه يبقى وحده ويحتكر لوحده رحمة الله. قمعوا التوجهات التي ضد الإسلاميين والأحزاب الوطنية مبررين في ذلك أنها أحزاب الشيطان الذين لا يأتمرون بأمر الله.
كل ذلك جعل البلاد في حال استقطاب حاد فاعتنقت أجيال دين ملوكهم بفعل توجهاتهم التي احتكرت الإعلام وشاشته البلورية.
فانهار بذلك ما يفوق سبعين في المئة من السودان بهذا السلوك الإقصائي، فهتك اليمين المجتمع وجعله منقسماً ما بين العرب وغير العرب والمسلمين وغيرهم فقدمت الدولة محاباة على من يتظاهرون في الإسلام، فأصبح للمسلمين انفصال الجنوب شئ عادي.
وفي سقوط الإنقاذ بعد ثلاثة عقود ظن القحاتة، بأن عصرهم قد بدأ ليحكموا هم أيضا ثلاثين سنة أخرى بأيديولوجية اليسار طالما هي خليفة لنقيضها اليمين. وقد هللوا وهتفوا وادعوا بالطهر والنقاء الثوري.
القضية السودانية ليست أيديولوجية
حتى الذين يتحاربون لم يجدوا مبرراً لحربهم الأرعن سوى العودة إلى قائمة من مدلولات مثل:- الهامش والمركز وإصلاح الأجهزة والتمثيل النسبي والتمييز الإيجابي وفدرالية وغيرها، مما يبرهن أن القضية ليست اليمين واليسار بقدر ما أن القضية هي الخلل الهيكلي الذي يمنع الحقوق بالتعريف ويعطي للآخر بالتعريف (By definition).
إن اليمين واليسار في السودان، مهما تعاركوا بشعارات الزيف مثل الحريات والديمقراطية والمدنية التي لم تُعرف حتى الآن ومهما تعطروا بطيب الشمول والشعارات الوطنية، إن صفة المركز الظالم الذي منع الحقوق من البعض وكال بمكيالين على حساب الآخرين لن تنتهي هذه الصفة إلا إذا اغتسل حقاً وأقر أن البلاد في حاجة إلى حوار وطني حر الذي يعطي كل فرد حقه من الراحة والقناعة.
فهذا السباق بين اليمين واليسار الذي تشبع بألفاظ ونعوت مثل الكيزان والفلول مقابل القحاتة والكفار والعملاء وغيرها، لن يجني لهذه البلاد سوى الاستقطاب والمضاد، لقد أمطرت سماؤنا ما ترون اليوم، فتخندق الكيزان في خندق الجيش وتخندق القحاتة في خندق الدعم السريع. أي محاولة للتستر وراء شعارات بغرض التبرؤ من هذه الحرب، إنها بمثابة المثل الذي يقول، “البيرقص ما بيغطي دقنو”.
لازالت إشكالية الخلل البنيوي قائمة ما لم يُعقد حوار وطني حقيقي يسبقه وقف للحرب ومن ثم توضع أسس الحوكمة كاملة وعلى أساسها كيف يُحكم البلاد بدلاً من من يحكم، والمواطنة هي أساس الحقوق الواجبات، والحفاظ على وحدة السودان على أساس ديمقراطي وفيدرالي كامل، غير هذا لا يغني البلاد حكم اليسار ولا اليمين.
أما شعارات المتصارعين الجوفاء، هدفها كسب ود الشعب بحثاً للسلطة. مثل الكيزان والقحاتة كأنها برامج تقدم بها الخدمات للشعب في الوقت الذي لا يمكن لأحد منهما أن يجرد الآخر من الجنسية السودانية. فلذا يجب أن يكفوا عن السباحة ضد التيار، وبدلاً لذلك يجب البحث عن اتفاق على صيغة تجمع المختلفين من أجل هذا الوطن.
إقرأ/ي أيضاً:
النجاة من الصراع: ثلاث سودانيات يبحرن في الحياة وسط حرب السودان من الإمارات