بورتسودان | برق السودان
كانت المستشارية الثقافية الإيرانية فيما قبل الحرب ورغم وجودها في شارع رئيس وحيوي وهو شارع المطار في العاصمة الخرطوم من ضمن المستشاريات التي لا تسمع لها صوتاً ولا همساً، وذلك لأنّ العديد من محاولاتها اختراق الشارع السوداني باءت بالفشل. وهي لم تكن بالشكل الملفت للنظر والعلني المستقوي بالسلطة والمثير للجماعات الدينية الأخرى.
لم يكن الطريق ممهداً لبناء علاقات ثنائية سودانية إيرانية قبل تعرض السودان للضغوط الدولية والعقوبات الإقتصادية، ولكن الآن بعد الحرب يقع السودان ضمن شريط التمدد الشيعي في أفريقيا في محاولة لتكوين تحالف إيراني أفريقي لدعم الوجود الشيعي في بلاد الشام. اتخذت إيران وسيلة التعاون العسكري مدعمة بالمسيرات.
ولئن كانت بعض الدول العربية تنتبه بكثير من الحيطة والحذر لهذا الوجود إلّا أنّه في بعض الدول التي تعاني اضطرابات سياسية وحرب مثل السودان لا يمكن لجمه أو تحديده، فمصر الآن تعاني وتحذر، ودول القرن الأفريقي لا تعي ماهية هذا الوجود ولا الفتن التي يمكن أن يحدثها . وإذا رجعنا قليلاً للوراء نجد أن الظهور الشيعي في السودان بدأ يبرز نفسه للعلن في معرض الخرطوم الدولي للكتاب لعام 2006م، حيث تم عرض ستة أجنحة لكتب إيرانية ولبنانية شيعية، واجهتها حملة شعبية اعترضت على تجريح هذه الكتب في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وطعنها في أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما أدى إلى إغلاق تلك الأجنحة، وسحب الكتب الشيعية من المعرض.
ويبدو أنّ الأمر لا يقف عند قيام نشاطات فقط وهي ليست نشاطات جوّالة وإنّما مؤسسة على مرأى وسمع الكافة وعلى أرض سودانية، يتم استخدامها بالتصاديق من الجهات الرسمية وأحياناً بالترحيب. إنّ التمدد الشيعي بالسودان والذي يسمى تلطفاً بالوجود، آخذٌ في الاتساع، فبالإضافة للمستشارية الثقافية الإيرانية يوجد أيضاً المركز الثقافى بأم درمان، ومؤسسة السجاد التعليمية بأم بدة، ومدرستين بمايو بالخرطوم جنوب ومدرسة أخرى بالحاج يوسف، ثم هناك روابط ثقافية تديرها شابة سودانية. وهناك أيضاً مركز الشيعة بالعمارات المسمى باسم جعفر الصادق والذي افتتحته السفارة الإيرانية، و يتم استقطاب حفظة القرآن لتزويدهم بالفكر الشيعى بعدما فشلت محاولة مساومة مدير مصحف افريقيا، من أجل إجازة المصحف الإيراني، تلك الحادثة التي كشفها للصحف الشيخ محمد عبدالكريم، عضو الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان . ونظرأ لهذه الكثرة، فإن لم تكن الحكومة هي من سمحت بهذا الوجود فمن يا ترى يكون قد سمح بذلك.
وما بين الخلاف حول هذا الوجود من كونه وجود فكري أم عقائدي لا تخرج إلّا أصوات الرافضة والذين يرفضون وجودهم من السنة بينما تغيب أصوات أخرى . المشكلة الحقيقية من هذا الوجود الدخيل على المجتمع السوداني ليس في مواجهة بين جماعة سلفية وشيعية فحسب، وإنّما الخطر في التشجيع الرسمي لهذا الوجود لأغراض عسكرية وسياسية واقتصادية دون النظر فيما يمكن أن يحدثه هذا الوجود على تركيبة المجتمع السوداني ووسطيته الدينية .
ستكون هناك مواجهة وصراعات حامية بين السلفية والشيعة والصوفية، ومن المتوقع أن تنقل البلد إلى فتنة لن تقف عند النموذج اللبناني ولا السوري ولا العراقي لأنّه من الممكن جداً أن يغرق البلاد في بركة فتنة طائفية لن ينجو منها أبداً.