بورتسودان | برق السودان
تشهد سماء بورتسودان، شرق السودان، ازدحامًا جويًا لافتًا خلال الأيام الأخيرة، مع هبوط متتالٍ لطائرات شحن قادمة من عواصم إقليمية ودولية، في مؤشر يتجاوز الطابع البروتوكولي أو التجاري، ويشير إلى انتقال الصراع إلى مرحلة أكثر خطورة وتعقيدًا.
مصادر متطابقة تحدثت عن وصول طائرات شحن تركية ومصرية، بعضها يُشتبه في حمله لمعدات عسكرية نوعية، بالتزامن مع تحركات دبلوماسية رفيعة المستوى بين بورتسودان والقاهرة وأنقرة.
وفقًا لمصادر ملاحية، هبطت خلال ثلاثة أيام سبع طائرات (ست تركية وواحدة مصرية) في مطار بورتسودان، بينها طائرتا شحن وأخرى خاصة، أقلعت جميعها من مطار إسطنبول الدولي. شملت الرحلات طائرة Boeing 737-8F2 تحمل تسجيل SU-SAW وتتبع لشركة Air Master، وأخرى من طراز Ilyushin Il-76TD برقم تسجيل RA-76834 تشغلها شركة Aviacon Zitotrans الروسية. كما أفادت تقارير بوصول طائرة يُعتقد أنها تتبع للاستخبارات التركية بعد مسار مرّ عبر مصر قبل الهبوط في بورتسودان.
تصاعد رحلات الشحن الجوي إلى بورتسودان
سجّل مطار بورتسودان ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة هبوط طائرات الشحن منذ بداية ديسمبر الجاري.
حسابات متخصصة في تحليل حركة الطيران تتبعت ما لا يقل عن 16 رحلة شحن قادمة من إسطنبول والقاهرة، إضافة إلى مسقط والرياض.
هذه الحسابات رجّحت أن النشاط الجوي يتجاوز الشحن التجاري الاعتيادي، مرجّحة نقل عتاد عسكري وإمدادات لوجستية.
تزامن هذا الحراك مع زيارات لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى الرياض والقاهرة، ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في موقفه وحلفائه، خصوصًا بعد الخسائر التي تكبدها الجيش السوداني في الفاشر وبابنوسة وهجليج.
منصات إعلامية سودانية تداولت هذه المعطيات بالاستناد إلى تحليلات حركة الطيران التي ينشرها مختصون مثل ريتش تيد وأوموت تشاغري ساري، واللذين أشارا إلى نمط رحلات غير معتاد زمنًا ومسارًا وحمولةً.
دلالات التوقيت..
التزامن بين الرحلات الجوية المكثفة والتنقلات السياسية بين بورتسودان–القاهرة–واشنطن–إسطنبول، إلى جانب وصول شحنات جوية مصرية، لا يمكن قراءته كحركة دبلوماسية عابرة. بل يعكس—وفق مراقبين—انتقال الملف من إدارة الأزمة إلى تثبيت معادلة إقليمية جديدة قائمة على دعم منسق يغيّر ميزان القوى على الأرض.
وفي هذا السياق، صرّح محلل سياسي تركي متخصص في القرن الأفريقي بأن التطورات الجارية تصب—بحسب وصفه—في مصلحة “الحكومة الشرعية”، متحدثًا عن تحركات إقليمية ودخول أسلحة نوعية قريبًا. غير أن هذه التصريحات، وما يرافقها من مؤشرات ميدانية، تثير مخاوف جدية من تدويل الحرب وتعميقها بدل الدفع نحو وقفها.
إدانة صريحة
إن التدخل المصري والتركي في حرب السودان—عبر الجسر الجوي أو أي دعم عسكري مباشر أو غير مباشر—يمثل انتهاكًا لسيادة البلاد، ويقوّض فرص الحل السياسي، ويهدد بتوسيع رقعة الصراع وإطالة أمد المعاناة الإنسانية. إن أي انحياز عسكري خارجي يفاقم الاستقطاب، ويحوّل السودان إلى ساحة صراع بالوكالة، على حساب المدنيين ووحدة الدولة. المطلوب هو ضغط إقليمي ودولي لوقف التسليح، والعودة إلى مسار تفاوضي شامل يضع حماية المدنيين ووقف إطلاق النار في مقدمة الأولويات.
في المحصلة، فإن تكثيف الرحلات الجوية إلى بورتسودان، بما يحمله من دلالات، يشي بدخول الصراع مرحلة حساسة قد تُحسم عسكريًا أو تنزلق إلى تصعيد أوسع. وبين هذين الاحتمالين، يبقى الثمن الأفدح هو ما يدفعه الشعب السوداني، ما لم تُكبح التدخلات الخارجية ويُفتح أفق سياسي جاد لإنهاء الحرب.




