الأخبارتقارير

تصريح البرهان «المجد للبندقية» يثير موجة جدل: هل يُغلق السودان باب العودة إلى الحكم المدني؟

عسكرة الخطاب تقود إلى عسكرة المصير؟

بورتسودان | برق السودان – خاص

في تحول لافت في الخطاب الرسمي للدولة السودانية، أدلى الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، بتصريح حاد اللهجة خلال جولة ميدانية قال فيه: “تاني مافي مجد للساتك.. المجد للبندقية”، في إشارة تُفهم على أنها انتقاد مباشر للنضال السلمي وثقافة الحراك المدني، مقابل تمجيد العمل العسكري كطريق وحيد لتحقيق الأهداف الوطنية.

وقد أثار هذا التصريح ردود فعل واسعة، تراوحت بين التأييد من أنصاره الذين يرون في الجيش صمام أمان الدولة، والرفض من قوى مدنية ونشطاء اعتبروا التصريح نكوصاً عن مبادئ الثورة السودانية التي انطلقت سلمياً في ديسمبر 2018 وأطاحت بالرئيس عمر البشير.

هذا انقلاب معنوي على كل تضحيات الشباب الذين خرجوا للشوارع بصدورهم العارية إذا كنا نحتفل بذكرى الثورة، فالتصريح يهدم أساسها

أسماء عبدالحليم – ناشطة سياسية 

بين “اللساتك” و”البندقية”: معركة الرموز في قلب الحرب

لفظ “اللساتك” في الثقافة الشعبية السودانية يشير إلى اطارات السيارات الفارغة، لكنه تحوّل رمزياً إلى أيقونة للنشاط المدني والثوري بعد أن لعب دوراً مركزياً في الاحتجاجات ضد نظام البشير، ثم ضد الحكم العسكري في مراحل لاحقة.

تصريح البرهان، بأن “اللساتك لم يعد له مجد” يُفهم على أنه إعلان صريح بانتهاء دور الناشطين المدنيين في تحديد مصير الدولة، وأن السلاح – حسب تعبيره – بات الأداة الوحيدة لحماية السودان وإنقاذه من الانهيار.

الناشطة السياسية أسماء عبد الحليم علّقت على التصريح قائلة:

“هذا انقلاب معنوي على كل تضحيات الشباب الذين خرجوا للشوارع بصدورهم العارية. إذا كنا نحتفل بذكرى الثورة، فالتصريح يهدم أساسها.”

في المقابل، قال القيادي في أحد الكيانات الداعمة للجيش، اللواء المتقاعد عبد الرحمن الصادق:

“ما قاله البرهان هو تعبير عن واقع. نحن في معركة مصيرية لا مجال فيها لـ اللساتك والكلمات، بل للرصاص والمواقف الحاسمة.”

تحليل سياسي: عسكرة الخطاب تقود إلى عسكرة المصير؟

تصريح البرهان، لم يأتِ في فراغ، بل في سياق استمرار الحرب الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي دخلت عامها الثاني دون أفق واضح للحل، وسط انهيار أمني واقتصادي كبير.

يرى المحلل السياسي د. عبدالعزيز كمبال أن التصريح يحمل دلالات خطيرة:

“هذا ليس مجرد تفضيل رمزي بين اللساتك والسلاح، بل مؤشر على أن النخبة العسكرية تنوي إقصاء الصوت المدني بالكامل، وربما التحرك نحو نظام عسكري صرف دون شراكة مستقبلية.”

وأضاف أن مثل هذه التصريحات قد تزيد من تعقيد الوضع، خصوصاً وأن هناك مساعي إقليمية ودولية لإعادة السودان إلى طاولة الحوار السياسي.

من ناحية أخرى، عبّر البعض عن تأييدهم للتصريح بوصفه واقعية سياسية تفرضها ظروف الحرب، حيث لم تنجح حتى الآن أي من المبادرات السياسية في وقف النزيف.

في قلب العاصفة: هل تُغلق البندقية باب الديمقراطية؟

بينما يتشبث البرهان، بخطاب القوة، ويصعّد الدعم السريع من عملياته، يبقى المدنيون – الذين شكلوا روح الثورة السودانية – خارج المعادلة، إما نازحين أو صامتين بفعل القمع والتشظي السياسي.

تسود مخاوف من أن يكون التصريح مقدمة لنهج رسمي يُقصي القوى المدنية بشكل نهائي، ويُبقي الحكم في يد المؤسسة العسكرية إلى أجل غير مسمى.

ومع أن البرهان، أكد في مناسبات سابقة التزامه بالتحول الديمقراطي، فإن تصريحه الأخير أثار الشكوك حول مدى جدية هذه الوعود، لا سيما في ظل غياب أي خارطة طريق واضحة لما بعد الحرب.

ختاماً، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ما زال في الأفق متسعٌ للعودة إلى طاولة السياسة، أم أن البندقية أصبحت قدر السودان؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى