دارفور تنزف من السماء: تصاعد الهجمات الجوية واستهداف المدنيين يثير قلقاً دولياً
جرائم حرب متكرره للجيش السوداني في دارفور
الفاشر | برق السودان – تقرير
تشهد مناطق واسعة من إقليم دارفور في غرب السودان موجةً جديدة من العنف الدموي، بعدما طالت هجمات جوية قرى ومناطق مأهولة بالسكان في ولايتي شمال وجنوب دارفور، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين قتيلٍ وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ورغم أن الحرب في السودان أودت بحياة آلاف المدنيين منذ اندلاعها، فإن هذه الغارات الجوية الأخيرة مثّلت نقطة تحوّل خطيرة في طبيعة الصراع، حيث انتقلت المواجهات من الأرض إلى السماء، لتطال القرى والنازحين والمستشفيات الميدانية.
سمعنا صوت الطائرة فوق رؤوسنا، وبعد لحظات اشتعلت النيران في المنازل المجاورة. لم نكن نتوقع أن يلاحقنا الموت حتى داخل بيوتنا.
مريم عبدالله- نازحة من ضاحية الزرق
اتهامات بتورّط خارجي وتصعيد خطير في مسار الحرب
وفقاً لمصادر محلية وحقوقية، فإن طائرات مُسيّرة يُعتقد أنها ذات منشأ أجنبي (تركية) نفّذت ضرباتٍ متزامنة على مواقع مدنية في منطقتي بلبل تمبسكو غربي نيالا والزرق شمال دارفور، مخلّفةً وراءها مشاهد مأساوية من الدمار والضحايا.
وقد أثارت هذه التطورات موجة استنكارٍ واسعة بين المنظمات الإنسانية والحقوقية، التي حذّرت من أن استمرار القصف الجوي ضد المناطق السكنية يُعدّ “تحولاً خطيراً” في سير العمليات العسكرية، ويشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تُلزم أطراف النزاع بعدم استهداف المدنيين.
ودعت منظمات دولية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف لتحديد نوعية الطائرات المستخدمة، والجهات التي زوّدت الأطراف المتحاربة بها، مؤكدين أن “إدخال الطائرات المسيّرة في الحرب السودانية سيزيد من معاناة المدنيين ويُطيل أمد الصراع”.
المدنيون بين النزوح والموت.. دارفور تقترب من الكارثة
المشهد الإنساني في دارفور اليوم يعكس فصلاً جديداً من المأساة السودانية.
ففي أعقاب الغارات الأخيرة، نزحت مئات الأسر من القرى المتضررة إلى مناطق أكثر أمناً، بينما امتلأت المرافق الطبية الميدانية بالمصابين الذين يعانون من إصابات خطيرة نتيجة الشظايا والانفجارات.
تقول “مريم عبد الله”، وهي نازحة من ضاحية الزرق:
“سمعنا صوت الطائرة فوق رؤوسنا، وبعد لحظات اشتعلت النيران في المنازل المجاورة. لم نكن نتوقع أن يلاحقنا الموت حتى داخل بيوتنا.”
من جانبها، وصفت منظمات الإغاثة الوضع في دارفور بأنه “قابل للانفجار الإنساني”، في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود، وصعوبة إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة بسبب استمرار القتال وانعدام الطرق الآمنة.
دعوات متزايدة لمحاسبة المسؤولين وحماية الأبرياء
تتزايد الأصوات المطالبة بضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف ما وصفته منظمات حقوقية بـ“جرائم الحرب المتكررة” للجيش السوداني في دارفور، حيث تتهم التقارير الجيش بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، من بينها القصف العشوائي والتطهير العرقي والتهجير القسري.
وطالبت منظمات محلية بفرض حظر دولي على استخدام الطائرات المسيرة في السودان إلى حين إجراء تحقيق مستقل حول الجهات التي تقف وراء الهجمات الأخيرة، كما شددت على ضرورة إحالة المسؤولين عنها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال ناشط حقوقي من الفاشر إن “دارفور لم تعد تحتمل المزيد من الدماء، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك فوراً قبل أن تتحول الكارثة إلى إبادة جماعية صامتة”.
أمل في صوت العدالة وسط صمت العالم
رغم تصاعد الغضب الشعبي والإقليمي، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة. ويخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الهجمات إلى مزيد من الانقسام والتصعيد العسكري في وقتٍ تعاني فيه البلاد من أزمة إنسانية خانقة ونزوحٍ غير مسبوق.
ويبقى الأمل الأكبر معلّقاً على جهود المنظمات الحقوقية والإعلامية في توثيق الانتهاكات، وعلى الضغط الشعبي لإنهاء معاناة ملايين المدنيين العالقين بين نيران الحرب والغياب الدولي.
فدارفور، التي كانت يوماً رمزاً لمعاناة السودان، عادت اليوم لتذكّر العالم بأن المدنيين هم دائماً الخاسر الأكبر في الحروب.