الأخبارتقارير

لماذا أفرج البرهان عن قادة النظام السابق؟

هل «الطرف الثالث» هو الذي يقود الحرب في السودان؟

الخرطوم | برق السودان

في السنوات الأخيرة على سماع كلمة «طرف ثالث»، بعد كل جريمة ترتكب، أو عملية قتل لمتظاهر خلال المسيرات المليونية الأخيرة، أو أي حادث ما مثير للجدل، تريد السلطات إبعاد مسؤوليتها عنه، فجريمة فض الاعتصام ارتكبها «طرف ثالث»، وجريمة قتل شباب وإلقائهم في النيل ارتكبها «طرف ثالث»، حتى هذه الحرب الأخيرة، يقودها «طرف ثالث».

اتهامات للإسلاميين وأنصار البشير بإذكاء نار الحرب وتصعيدها

ما هي قصة هذا «الطرف الثالث»؟

برز تعبير «الطرف الثالث» في الصراع السوداني أول مرة إبان الثورة الشعبية التي أطاحت حكم «الإسلاميين» بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، في أبريل 2019، حين اتهم مدير جهاز الأمن السابق، صلاح عبد الله، الشهير بـ«قوش»، طرفاً ثالثاً بقتل المتظاهرين السلميين، ليبرئ «جهازه» من التهمة الشنيعة.

وقبيل اندلاع الحرب الجارية بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، عاد الإصبع ليشير هذه المرة بجرأة إلى «الطرف الثالث»، حين اشتعلت مواقع الدعاية التحريضية، بل التهديدية، ضد التقارب بين المدنيين والعسكريين وتوقيع الاتفاق الإطاري، وخرج رموزهم و«كبارهم» ليعلنوا للناس رفضهم الاتفاق والتهديد بإسقاطه، ودعوة الجيش إلى التراجع عنه و«إلّا».

وقبل أيام من بدء الحرب، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي «تغريدة» على حساب الإسلامي المتشدد «عمار السجاد»، يدعو فيها المواطنين لمغادرة الخرطوم متى استطاعوا، ثم خرج عدد آخر من قادة الإسلاميين وشنوا حملات تحريض واسعة للجيش ضد قوات «الدعم السريع»، دعوا فيها صراحة للقضاء على «الميليشيا» (الدعم السريع) التي أعلن قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” دعمه للعملية السلمية وخروج الجيش من السياسة، ما يعني فقدانهم الامتيازات التي حصلوا عليها بالانقلاب.

وتفرقت الصفوف حين نشبت الحرب بين القوتين، فأعلن الإسلاميون وأنصار نظام البشير صراحة وقوفهم ضد «الدعم السريع»، تحت ذريعة «أن الجيش السوداني هو الذي يمثل سيادة البلاد»، وشنوا حملات ترهيب وتخوين ضد كل من يقف بجانب «الدعم السريع»، بل ضد كل من ينادي بمجرد «وقف الحرب»، ولم يعودوا «طرفاً ثالثاً» مجهولاً، بل انضموا علانية إلى جانب الجيش في الحرب.

ومع سيطرة قوات الدعم السريع على 90 في المئة من المواقع الرسمية والسيادية بينما الجيش يتراجع وانسحب بعض افراده ويسيطر فقط على مواقع التواصل الاجتماعي”.

“كيف يمكن للبرهان أن يقود السودان وهو مختبئ في الملاجئ الآن؟”.

سعى قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، من داخل مخبأه “البدروم” إلى إطلاق سراح المعتقلين من قادة الإسلاميين المتطرفين في النظام السابق للإستعانة بهم الفعل في تشكيل ميليشيا موازية للجيش مؤلفة من عناصر اخوانية ومتطرفة يقودها الهاربون وفيها أيضاً مجموعات  داعش والقاعدة لدعم التصعيد العسكري الذي يخوض فيه البرهان.

وكشف قائد قوات «الدعم السريع» في تصريحاته، الأسبوع الماضي، أن من يقود الحرب هم الإسلاميون، وليس الجيش، وأنهم من يحركون القيادة الحالية للجيش، قائلاً: «لن نفاوض البرهان، بل من يحركونه»، مشيراً إلى الأمين العام للحركة الإسلامية الفارّ منذ الانقلاب، علي كرتي، وإلى القيادي الإسلامي أسامة عبد الله، باعتبارهما القادة الحقيقيين للجيش، ليس منذ اندلاع الحرب، بل منذ أن سيطر الإنقاذيون على الحكم.

ولم يستطع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، نفي دعم الإسلاميين وأنصار نظام البشير له، واكتفى بنفي التهمة عنه شخصياً، بالقول: «حميدتي يعرف أنني لست إسلامياً، ولا علاقة لي بهم، وهذه أكاذيب يروجها الرجل».

لكن الراجح، الذي تتداوله وسائط التواصل الاجتماعي السودانية والمنصات الإعلامية، أن «أنصار البشير» هم من يقودون الحرب النفسية لصالح الجيش على الأقل، بل يهددون بالانقلاب على القيادة العسكرية للجيش في حال رضخت لوقف الحرب وقررت التفاوض مع «الدعم السريع».

ويجري بشكل واسع تداول تهديدات صادرة عن قادة إسلاميين، تم التحقق من صحتها، وتتسق مع الموقف الملموس للتنظيم الرافض لوقف الحرب، أو الهدنة مع «الدعم السريع»، وإعلانهم صراحة أنهم أعدوا كتائبهم وقواتهم للحرب إلى جانب الجيش حتى تصفية آخر جنود «الدعم السريع». وفي حال رضوخ الجيش للضغوط، فإنهم قد ينقلبون عليه، ليأتوا بقيادة جديدة تمثلهم وتحفظ مصالح «الطرف الثالث».

نزوح السودانيين

ومابين تدخل «الطرف الثالث» وسيطرة الدعم السريع أحال دوي المدافع وأزيز الطيران الحربي، حياة السودانيين في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى إلى جحيم، فرّ عشرات الآلاف دون وجه، وضاعت عليهم مساكنهم بما رحبت من جود بالموجود، اتجه بعضهم جنوباً إلى ولاية الجزيرة، وآخرون نزحوا شمالاً إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، فيما اختار بعضهم الابتعاد أكثر إلى مصر عبر البر، تاركين خلفهم الحسرة على بلاد تتمزق بسبب الصراع حول كراسي السلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى